قوارب الموت… فلا هم وصَلوا ولا هم عادوا

سبتمبر 26, 2022

A-

A+

“باع منزله وأرضه، من أجل حجز مقعد له ولعائلته على قارب ينقلهم إلى أرض الأحلام، لكن بدلاً من ذلك استفاق على كابوس سيرافقه طوال العمر، بعدما خسر زوجته وأولاده الأربعة في البحر”. هي قصة وسام التلاوي أحد ركاب القارب الذي غرق قبالة السواحل السورية.

قوارب الموت تتنكر بثوب الأمل، تُغريك، ثم تُغرِقك. ولا أحد ينقذُك. تهرب من الموت إلى الموت. لا أحد يضع أولاده في قوارب الموت إلا إذا كان البحر أكثر أماناً من الوطن.

تتصدر قوارب الهجرة غير الشرعية الأخبار في لبنان في الآونة الأخيرة، سواء من خلال البيانات التي تصدرها السلطات اللبنانية أو من خلال تداول صور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لمهاجرين خلال رحلة إبحارهم، منهم من وصلوا إلى وجهتهم، ومنهم من غادروا المياه الإقليمية وواجهوا صعوبات حالت دون تمكنهم من الوصول إلى الشواطئ الأوروبية، ومنهم من لم يتمكن حتى من مغادرة المياه الإقليمية بعد توقيف الجيش اللبناني لمركبهم.

اهتزت كامل الاراضي للبنانية بما فيها المخيمات الفلسطينية في لبنان، على وقع خبر مفجع وصادم، بفقدان عدد من الشبان والنساء والأطفال بعد غرق قارب يقلّ مهاجرين من جنسيات مختلفة لبنانية، فلسطينية، وسورية عبر المتوسط قبالة الساحل السوري كان يحمل على متنه ما يقارب 170 مهاجراً.

وقال الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة في لبنان في 25 من أيلول إن عدد ضحايا غرق مركب طالبي اللجوء قبالة السواحل السورية ارتفع إلى 94، في حين أعلن الجيش اللبناني إيقاف شخص قال إنه المسؤول عن الرحلة.

وأفاد الجيش اللبناني بتوقيف الشخص المسؤول عن تهريب من وصفهم بالمهاجرين غير النظاميين عبر القارب الذي غرق قبالة سواحل طرطوس السورية الخميس الماضي.

وأضاف الجيش في بيان أن التحقيقات أثبتت تورط الموقوف في إدارة شبكة تهريب للمهاجرين غير النظاميين، وأوضح أن الشخص الموقوف اعترف بمسؤوليته عن عملية التهريب باستخدام القارب الغارق.

وتأتي هذه الفاجعة في سياق تصاعد وتيرة الهجرة السرية نحو اوروبا عبر قوارب صيد تنطلق بشكل شبه يومي عبر السواحل اللبنانية، تحمل أعداد كبيرة معظمهم من الشباب الذين فقدوا الأمل بالحياة، نحن لا نتحدث اليوم عن مجرد أرقام فقط، بل عن بشر وعن أسر بأكملها راحوا ضحية الإهمال والإستغلال بشكل كبير، إذ لم يعد لبنان يصلح للعيش الآدمي، حيث استفحلت فيه الأزمة الاقتصادية والمعيشية والأمنية وتفشي الفساد والبطالة والتهميش، وانعدام فرص العمل، إضافة إلى الغلاء المستشري وانتشار المخدرات وفوضى السلاح والفلتان الأمني والبيوت المتهالكة…،  الأمر الذي يدفع الكثيرين نحو المجازفة بحياتهم في سبيل الخلاص والبحث عن حياة أفضل لهم ولأطفالهم خارج لبنان.

يأتي غرق هذا القارب في سياق موجة غير مسبوقة للهجرة غير النظامية من لبنان، وتحديدًا من الساحل الشمالي الذي يمتد من “المدفون” وصولا إلى آخر نقطة بحرية حدودية مع سوريا في العريضة، رغم وجود أجهزة أمنية ورادارات للقوات البحرية التابعة للجيش اللبناني الذي يعلن بين وقت وآخر عن إحباط عمليات هجرة غير نظامية.

الدولة اللبنانية وادائها على مدى الثلاث سنوات الاخيرة بعدم حل الازمة الاقتصادية هي السبب الاساسي لظهور ما يعرف بقوارب الموت التي تنطلق من طرابلس من وقت إلى آخر لأن طرابلس هي أكثر المدن حرماناً وعزلاً.

بات وصف السواحل الشمالية اللبنانية بأنها “منصة انطلاق”، إذ تنطلق المراكب بشكل متكرر، وتنجح السلطات أحياناً في إحباط محاولات الهروب، فيما ينجح المهربون بالوصول إلى الشواطئ الإيطالية أو اليونانية أو القبرصية.

ويستغل المهربون الشاطئ اللبناني للانطلاق كونه ساحلاً مفتوحاً، ولا تنطلق القوارب الصغيرة من موانئ في العادة. تستطيع الانطلاق من أي نقطة في الشاطئ، لتلتف وتجتمع بالمجموعات الكبرى في المياه الدولية. ويبتكر المهربون أساليب كثيرة، للنفاذ من إجراءات القوات البحرية بالجيش اللبناني. ويعمد المهربون إلى شراء سفن تنقل الرحلات مرة واحدة قبل أن يتركوها في عرض البحر بعد إيصال الهاربين.

وتقول مصادر لموقع نقد إن العمليات تجري بطريقة تصاعدية، في البداية، كانت المراكب عبارة عن قوارب صيد صغيرة تحمل عشرين أو ثلاثين شخصاً، أما الآن فقد تبدل الوضع، وباتت كل رحلة تحمل أكثر من خمسين شخصاً، وهم يحتاجون إلى قوارب أكبر.

ومن جزيرة أرواد السورية التي قذفت الأمواج القارب قبالتها، يستورد المهربون قوارب الهجرة وتختلف تكاليفها وفق حجمها وسعتها إذ يصل ثمن المركب اليوم إلى 30 أو 35 ألف دولار من أرواد، إذا كان بطول 16 إلى 20 متراً ويرتفع سعره ليصل إلى 45 الف دولار أو حتى 50 ألفاً في حال كان يتسع لـ 200 راكب أو 220.

ولفت المصدر لموقع نقد إلى أن المهرب يتقاضى على الشخص ما بين 5500$ و 8000$ على الاشخاص البالغين وما بين 3500$ إلى 4000$ على الاطفال.

ووفقاً للمفكرة القانونية إذا تقاضى منظم رحلة مركب الـ 57 راكباً على كل راكب 5 آلاف دولار كمعدل وسطي، يتبيّن أنّ منظّم الرحلة قد قبض 285 ألف دولار، نخصم منها 35 ألف دولار ثمن المركب، و30 ألف دولار أجرة القبطان، و20 ألف دولار لتمرير الرحلة للأجهزة الأمنية، و5 آلاف دولار لتعطيل رادارت المراقبة و10 آلاف دولار لوقود المازوت و5 آلاف دولار للمياه والطعام وخط شبكة ثريا للاتصالات، يبقى 170 ألف دولار كربح صاف للمهرب.

وكان قد أعلن خفر السواجل التركي عن 46 حادث غرق خلال النصف الأول من أيلول.