بالقانون: هكذا نسترجع أموالنا المحتجزة

سبتمبر 27, 2022

A-

A+

تتكرر في الآونة الأخيرة ظاهرة اقتحام المصارف واللجوء الى القوة والسلاح لسحب ما كان ذات مرة ملكاً وحقاً شرعياً للمعتدي. فبعد مضي ما يقارب الثلاث سنوات على احتجاز أموال المودعين من قبل المصارف بدون وجه حق، والاقتطاع من أموالهم بشتى الوسائل غير الشرعية، والانصياع الى تعاميم وقرارات فاشلة وعشوائية بدون وجود تصور أو خطة اقتصادية لإنقاذ الوضع المالي والاقتصادي، تحول لبنان من دولة تسعى الى إعمال القوانين الى بلد تحكمه  شريعة الغاب والفوضى التشريعية حيث الأقوى يحكم الضعيف وكلٌّ يأخذ حقه بيده.

 بالرغم من المحاولات الخجولة من قبل المودعين لاسترداد حقوقهم التي انتزعت منهم من خلال الدعاوى القضائية بالأساليب القانونية المتاحة أمامهم، إلا أن أغلب هذه المحاولات باءت بالفشل ولم تنم عن أي نتيجة مرضية وفعالة. وعلى أثر ذلك، أنشأت نقابة المحامين لجنة حماية حقوق المودعين بهدف تنظيم وتوجيه العمل للمطالبة بحقوق المودعين على مستوى الوطن بكامله وذلك بمساعدة خبراء ومتخصصين ذوي كفاءة عالية.  فعملت هذه اللجنة جاهدة، بالتعاون مع نقابات المهن الحرة، لاسترجاع حقوقها المتمثلة في صناديق االنقابات وحقوق المودعين كافة. وخاضت هذه المعركة حتى تقدمت نقابة المحامين مؤخرا بدعوى أمام المحكمة المدنية الناظرة في دعاوى الإفلاس ضد مصرف “فرست ناشيونال بنك” بهدف إعلان المدعى عليه متوقفاً عن الدفع. على أن تتبع هذه الدعوى، دعاوى أخرى مشابهة بحق المصارف المتبقية إن من قبل النقابات أو من قبل المودعين بالاستعانة بهذا النموذج.

وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة إذا ما أسفرت عن نتائج مرضية كتلك المبتغاة منها، إلا ان خلافا قانونيا نشأ على مدى صحة وفعالية هذه الدعوى بين الفقهاء القانونيين. لذلك سنقوم بعرض أبرز النقاط التي تطرق لها كل من الرأيين بشكل مقتضب.

استندت نقابة المحامين في دعواها على القانون رقم 2/67 الذي يخول لأي دائن أن يدعي على مصرفه المتوقف عن الدفع. وأوضحت اللجنة أن هذه الدعوى لا تؤدي الى إفلاس المصارف بل الى إعلان توقفها عن الدفع إذ أن هذا القانون ينظم إعادة هيكلة المصارف في غياب القانون النظامي لهذه الهيكلة. وصرح رئيس لجنة حماية حقوق المودعين المحامي كريم ضاهر، أنه بموجب دعوى التوقف عن الدفع سيصدر أيّ قاضٍ جريء قراراً بالحجز على أموال وأملاك مديري المصارف ورؤساء وأعضاء مجالس الإدارة ومفوّضي المراقبة وإقالتهم من مراكزهم وتعيين مدير مؤقت لـ48 ساعة فحسب لحين تعيين لجنة تضم ممثلين عن المودعين في المصرف والدائنين وخبراء مصرفيين ومن شأن هذه اللجنة وقف الاستنسابية ووقف كل الدعاوى خارج لبنان وداخله التي تطالب بسحب أموال على حساب المودعين. وهو الإجراء الوحيد الذي من شأنه ذلك لأن الكابيتال كونترول يوقف الدعاوى ضد المصارف في لبنان فحسب. وسيؤدي هذا الإجراء الى إعادة هيكلة المصارف ووضعها على سكة التعافي. 

والهدف من هذا الإجراء حث السلطات على المضي بخطة التعافي، وكف يد الإدارات عن المصارف خاصة أن هذا القانون يفرق بين المصارف وإدارات هذه المصارف التي تتحمل تبعة أعمالها غير المحقة إذ ليس الهدف إقفال المصارف بحد ذاتها بل المحافظة على تلك القادرة على متابعة مهمتها. وبموجب هذا القانون تكون المحكمة المصرفية الخاصة هي الصالحة لتقييم وضع المصرف وتعيين الادارة المؤقتة وإجراء التصفية عند الاقتضاء. على أن دور حاكم مصرف لبنان يتقلص بحسب القانون إذ عند تحديد المصرف المتوقف عن الدفع من قبل المحكمة المختصة من الواجب استطلاع رأي الحاكم وبالتالي لا يعتبر رأيه ملزم للمحكمة. كذلك سيتم التفريق بين الودائع المشروعة وتلك غير المشروعة، ويستفيد كافة المودعين في المصرف من هذه الأحكام، كما يمكن الاستفادة من فترة الريبة التي تمتد 18 شهرا ومع احتساب قوانين تعليق المهل يمكن ارجاعها الى منتصف عام 2018 والتدقيق في المعاملات المصرفية من حينها وإبطال ما يجب إبطاله منها.

وتجدر الإشارة، أن هذه الخطوة هي بداية مسار يهدف المعنيون منها الى التصعيد في حالة عدم تعاون حاكم مصرف لبنان من خلال اللجوء إلى السلطات المعنية (تنفيذية وتشريعية) ضمن إطار خطة مدروسة. 

في المقابل، برز رأي اجتهادي آخر ينقض صحة هذه الدعوى ومدى فعاليتها. واستند هذا الرأي على القانون 110/1991 المعدل للقانون رقم 2/67 والهدف منه إبعاد شبح الإفلاس عن المصارف وإبعاد كأس التصفية عنها إذ يحصر هذا القانون صلاحية طلب تطبيق أحكام هذا القانون بحاكم مصرف لبنان وحده وأمام المحكمة المصرفية الخاصة حصرا.

كما أن هذا الرأي يخالف الرأي الأول الذي يعتبر ان نص المادة الرابعة من القانون رقم 2/67، الذي يعطي صلاحية خاصة للدائنين بطلب تطبيقه هو نص خاص ويتطلب نصاً خاصاً لالغائه، الأمر غير المتوافر في أي نص من نصوص القانون رقم 110/91 او سواه. ويغلّب فكرة ضرورة تأمين التناسق في تطبيق النصوص التشريعية الذي هو مبدأ عام من مبادئ اصول المحاكمات المدنية، والمبدأ العام هو ملزم للقاضي.

وينوه هذا الرأي على خطورة تصفية المصارف حيث ستدفع حقوق المودعين بموجب شيكات محررة بالليرة اللبنانية على اساس ” سعر الصرف الرسمي ” 1507.5 ل.ل للدولار الاميركي الواحد ! إذ لا يخفى على احد بان الودائع لدى مصرف لبنان التي ستخضع للتصفية ستدفع بموجب شيكات تسحب على مصرف لبنان، الذي بات عاجزا عن دفعها. ويرجح هذا الرأي تطبيق القانون 93/192 الرامي الى دمج المصارف بدل التصفية التي سيؤدي اليها القانون 2/67 وذلك لإمكانية النهوض بالقطاع المصرفي.

 

في الختام، تتضارب الآراء الفقهية وتغرق في المتاهات بين الثغرات القانونية وزحمة التشريعات الفوضوية في القوانين اللبنانية. إنما يبقى الأهم انتظار الدور الذي سيلعبه القضاء في هذه المرحلة باعتبار أنه سيشكل الحدث المفصلي الذي سيحدد مصير اللبنانيين. فإما أن يتماشى مع الخطط التي رسمتها نقابة المحامين ويسعى وراء تحقيق الهدف الباطني المرجو من إعمال هذه القوانين وتحقيق العدالة وإما أن يقف حجرة عثرة في الطريق الى الخلاص – حالما يعلق القضاة إضرابهم ويعودوا الى إتمام واجباتهم.

 

  • مراجع إضافية: