كم مرّة علينا محاولة النهوض بعد؟
فبراير 27, 2024
A-
A+
“غط الحمام طار الحمام”، بهذه العبارة يمكن وصف حالة لبنان واللبنانيين الاقتصادية في السنوات الأخيرة. ففترات الاستقرار والازدهار لم تعد تدوم طويلاً في هذا البلد. اذ ان كل مرة كان لبنان يتنفّس الصعداء، ويعقد اللبنانيون الآمال، على موسم سياحي او على بداية الحلّ أو على اي اشارة ايجابية، كانت سماء لبنان تتلبد بالأزمات الشاحبة، وتسقط التوترات والاضطرابات الامنية والسياسية عليه كالصواعق، فيغرق شعبه مالياً واقتصادياً واجتماعياً.
سنعود قليلاً الى الوراء، ونستعيد السنوات الماضية، حيث غصّ لبنان بالأزمات والمشاكل، وعاش مواطنوه اسوأ أيام مرّت عليهم في الوطن. القصة بدأت في أواخر العام 2019، حيث لاحت الازمة برأسها من بوابة الاضرابات السياسية والمالية، الى أن أتى 17 تشرين الأول، وكان المشهد الكبير. أوّل هاوية سقط بها اللبنانيون، كانت أزمة المصارف وتبخّر أموال المودعين، مترافقة ببدء ارتفاع سعر صرف الدولار. في 4 آب 2020، كان اليوم المشؤوم الذي صبغ بيروت بالسواد، وحوّلها الى ساحة ركام ودم. فقد جاء تفجير المرفأ ليقضي على الخطة الصحية للحكومة لمواجهة كورونا، والمحاولات لكبح جماح سعر صرف الدولار.
بعد الرابع من آب، حلّق الدولار، وعدّاد كورونا لحق به، لتبدأ مرحلة جديدة وعنيفة من الانهيار في ظل الإغلاق والشلل الاقتصادي. أشهر عصيبة عاشها اللبنانيون، بعد أن طال الانهيار كل شيء، وبدأت سياسة الدعم بالانحسار وما أعقبها من ارتفاع في أسعار المحروقات والأدوية والمواد الغذائية. مع انحسار موجة كورونا وعودة الحياة تدريجيًا إلى طبيعتها، انتعش الاقتصاد اللبناني بعض الشيء، رغم التقلبات الحادة في سعر صرف الدولار والارتفاعات الجنونية التي شهدها، كما أن عودة النشاط إلى القطاع السياحي كان له وقع إيجابي وسط المشهد السوداوي. سنة 2023 شكلت بارقة أمل كبيرة، فاستقر سعر صرف الدولار نوعًا ما وهدأت تقلباته كثيرًا رغم الأرقام القياسية التي وصل إليها. السياحة نشطت بشكل كبير مما انعكس إيجابيًا على الدورة الاقتصادية، مع توافد حوالي 1.4 مليون شخص منذ بداية العام حتى شهر أيلول بحسب أرقام “الدولية للمعلومات”.
مرّ الصيف الواعد، وبدء القطاع السياحي يعدّ العدة للأعياد والموسم السياحي الشتوي، بتفاؤل كبير. الاّ أن 7 تشرين الاول خربط كل شيء وقلب الامور رأساً على عقب. فعملية “طوفان الأقصى” والحرب الاسرائيلية على غزة واشتعال جبهة لبنان مع اسرائيل، اعادت عقارب الساعة الى الوراء. وبعدما وضع لبنان رجله في قطار التعافي وعادت له الروح، دهسته التطورات الاقليمية وقذفته الى الهاوية مجدداً.
هكذا يمكن اختصار السنوات القليلة الماضية التي حارب فيها لبنان وحاول مراراً وتكراراً أن يخرج من الحفرة التي تم اسقاطه فيها، ولكن للآسف، أفشلت محاولاته كلّها لأسباب بات القاصي والداني يعرفها.
أما السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: “كم مرّة بعد بدنا نبلش عن جديد؟”، كم مرّة علينا أن نتأمّل ونصاب فوراً بالاحباط؟ البعض يقول أن البنية الاقتصادية للبنان هي السبب في تردي اوضاعه وهي التي لا تسمح بأن ينمو اقتصاده ويتحسن، لكن التجارب الناجحة القليلة وبالموارد المحدودة، أثبتت وتثبت أن لبنان قوي بموارده الطبيعية وبذكاء ابنائها وبطبيعته الجميلة، وجلّ ما يحتاجه اليوم، مسؤولين يخافون عليه وعلى شعبه، ولديهم الرغبة والنيّة في السير قدما به الى مصاف الدول الحضارية والمتقدمة. فمن يريد للبنان أن يزدهر، لا يفرض ضرائب عشوائية، تطال بعضها صناعاته المحلية على سبيل المثال لا الحصر. ومن يعي تماماً أن القطاع السياحي هو احد ركائز الاقتصاد الوطني، لا يعبث بأمن البلاد، ويشعل جبهات قتال من دون العودة الى الدولة والحكومة قبل اتخاذ قراره، ويقحم لبنان في آتون الصراعات الاقليمية، التي نعرف متى تبدأ ولكن لا نعلم متى ستنتهي.
لن نطيل كثيراً في الاخفاقات والاجحاف بحق لبنان، الا أن ما يمكن تأكيده هو أن لبنان قادر على التقدم والنمو والازدهار، بالقطاعات كافة من دون استثناء، فقرارات حكومية بسيطة وبعض التحفيزات والاصلاحات، كفيلة باعادة الامور الى مسارها الصحيح والبدء بالنهوض. وهنا سنتوجه اليكم أيّها اللبنانيون لسنألكم: “الى متى ستبقون تتأمّلون في الحصول على نتائج أفضل وأنتم تكررون الأخطاء نفسها؟ “كم مرّة بعد بدكن تبلشوا عن جديد بالغلطة نفسها؟”.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي