الأمن الذاتي إلى الواجهة: لبنان بيئة حاضنة للسلاح المتفلت

أكتوبر 14, 2022

A-

A+

بالمثل الإفريقي الذي يقول “الطفل الذى لم تحتضنه قريته سيحرقها ليشعر بدفئها”، يمكن افتتاح مقدمة هذا المقال على اعتبار أن وطننا الذي لم يعد قادراً على إحتوائنا، إننا اليوم ننتقم منه وإن كان بغير وعينا.

المواطن الذي جُرِّدَ من أبسط مقومات الحياة، ودُفع الى أدنى مستويات من هرمية الإحتياجات الإنسانية، لن يعود عنده الكثير من الحلول المنطقية للمضي قدماً في صراع الحياة. مثلًا الهروب من البلاد بزوارق الموت، أو اللجوء للسلاح للحصول على المدخرات الشخصية من البنوك ليست بالحلول المنطقية ولكنها آخر سبل العيش والمضي قدماً.

تشهد البلاد على أسوء أزمة إقتصادية التي صنفت ضمن ثلاث أسوء أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر بحسب البنك الدولي، تتبعها إنهيار مؤسسات الدولة والمؤسسات الأمنية. ومع إزدياد حالات الفقر التي وصلت إلى 80% و نسبة البطالة إلى 40%، من البديهي أن تترافق معها إزدياد حالات الجرائم وعمليات النهب والسرقة التي نشهدها في العلن وفي وضح النهار.

ففي بحث نشرته “الدولية للمعلومات” اللبنانية، وصلت معدلات السرقة إلى 265%  وجرائم القتل 101% في 2021 مقارنة مع 2019.

عندما تغيب الضوابط والمعايير الأمنية وتكثر الإضطرابات السياسية، تولد قلة ثقة بقوانين الدولة. تجسّد هذا الأمر في لجوء المواطن اللبناني اليوم لإقتناء السلاح للشعور بالأمان في ظل غياب دولته لتأمين الحماية. ففي بلد غير مستقر كلبنان، إمتلاك سلاح فردي لطالما كان بالأمر الشائع ونرى إزدياد الطلب عليه عند وجود إنتكاسات أمنية وسياسية بالأحرى هي نتيجة يتوقع حدوثها.

 ولكن في ظل التضخم المالي وغلاء الأسعار الجنوني، قد يتم إستبدال الأسلحة النارية بالسلاح الأبيض، الذي يعرف بالسلاح غير الناري ويستخدم للدفاع عن النفس، كالسكاكين و الصواعق الكهربائية وبخاخ الفلفل. هذا النوع من الأسلحة سهل الإقتناء والحصول عليه، وليس هناك ضرورة لحصول ترخيص لها.

على الرغم أن فكرة السلاح الأبيض تبقى أقل خطورة من إقتناء أسلحة نارية، لكن في ثقافة المجتمع اللبناني تحول هدف حيازة السلاح من الدفاع عن النفس لوسيلة للتعبير عن المشاعر. سهولة وجود الأسلحة البيضاء في متناول اليد يجعلها خطر فعلي على حامل السلاح ومحيطه. غير أن إستعمالها بشكل خاطئ قد يؤذي المستخدم نفسه، فيتحول الهدف من الحماية لزيادة الخطر الفعلي على قاتنيه.

مشكلة السلاح في لبنان معقدة منذ سنين، وحتى إذا لم يكن هذا السلاح ناري أو ذات خطورة كبيرة. ولكن فكرة السباق لإقتناء أي سلاح لتأمين الحماية الشخصية يدل على مشكلة عميقة، وهي أن ثقة اللبناني بدولته وقوانينها كانت مهتزة منذ زمن لتصبح معدومة في الوقت الحالي. الحروب والإنهيارات الإقتصادية المتكررة والفقر المدقع وقلة الأمان جبرت المواطن مراراً وتكراراً أن يعتمد على نفسه في تأمين حمايته الشخصية، لتصبح أي أزمة أمنية محفز لإقتناء السلاح.