ثالوث المحرمات في خدمة مقص الرقيب: من يحدد ما المرغوب وما المحظور؟
يوليو 28, 2022
A-
A+
ها هي الدولة اللبنانية تنتهك مبدأ الحريات وحق التعبير الذي نص عليه الدستور اللبناني والاتفاقيات الدولية. وتُخضع مرة اخرى اعمالاً ابداعية لمقص الرقيب في مديرية الامن العام وتملي على المواطن اللبناني ما المسموح وما المحظور تحت عناوين فضفاضة، مثل المس بالكيان اللبناني والحفاظ على النظام العام، واحترام أحاسيس الجمهور، وتجنب كل ما من شأنه إثارة العنصرية أو التحريض الديني أو الطائفي.
ولكن يبقى السؤال هنا: ما هي معيار الحفاظ على النظام العام؟ ومن يحدد ما هي احاسيس الجمهور وما اذا كانت واحدة؟
شهد لبنان في الفترة الأخيرة موجة جديدة من خنق الحريات وخرق الدستور لا سيما في ما يتعلق بحرية التعبير، فمنعت الدولة اللبنانية فيلم الرسوم المتحركة “Lightyear”، يوم الإثنين 13 حزيران 2022، من العرض في لبنان ، بسبب احتوائه على مشهد “قبلة بين شخصيتين مثليتين”.
الى جانب عدد من الدول العربية. وبعدها باقل من شهر منعت الدولة اللبنانية عرض فيلم “مينيونز: رايز اوف غرو” الجديد من دون اصدار بيان رسمي يوضح اسباب هذا القرار.
فقد أشارت المعلومات إلى أن المتابعين رجحوا واحداً من سببين بناء على سوابق الرقابة في لبنان. ويعود السبب الأول إلى احتواء الفيلم شخصية راهبة شريرة، وهي عضو في “الأشرار الستّة”. اما السبب الثاني يتعلق بالمثلية الجنسية، “حيث يمر الفيلم لثوان معدودة على شابين يتعانقان في خلفية أحد المشاهد، كما يحدث فيه تحديق رومنسي بين اثنين من المينيونز، وهما من “فئة” لا جندر لها. ليكون لبنان الدولة الوحيدة بعد الصين التي تمنع عرض الفيلم.
تتذرع الاجهزة الرقابية في لبنان بقانون صدر في ٢٧ تشرين الثاني ١٩٤٧ الذي يلحظ بالإضافة إلى الرقابة على الأفلام المحلية، الرقابة على الأفلام المستوردة. بالإضافة الى مرسوم اشتراعي ارسته الحكومة اللبنانية سنة ١٩٧٧ اي بعد سنتين على اندلاع الحرب الاهلية، عُرف بالمرسوم الاشتراعي رقم “٢” فكان بمثابة تدبير استثنائي اذ لم يتم مناقشته أو التصويت عليه في الهيئة العامة لمجلس النواب مما يؤكد طبيعته الاستثنائية والمرحلية. وفيه شُرّع للمديرية العامة للأمن العام الرقابة المسبقة على الأعمال المسرحية بحيث يتيح للرقيب معاقبة المخالفين بإقفال مكان العرض لمدة سنة والحبس لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات، إضافة إلى غرامة مالية.
وعلى الرغم من صدور قانون عام ١٩٦١ الذي يحيل صلاحيات ممارسة الرقابة على الأفلام إلى وزارة الإرشاد والأنباء والسياحة، إلا أنّ الممارسات والإجراءات الرقابية بقيت منوطة حصراً بمديرية الأمن العام، الأمر الذي يعدّ مخالفاً للقانون.
قرارات المنع هذه والتي فقدت قيمتها بعد الثورة الرقمية لا تعكس سوى صورة لدكتاتورية جديدة يتم التحضير لها تحت الضوء في المطابخ السرية، خصوصاً بظل انهيار شامل ونقمة شعبية. فمن جهة تسعى السلطات لفرض هيبتها المتلاشية اصلاً وتحقيق انجازات وانتصارات وهمية على انقاض ما تبقى من حرية واحترام للدستور في لبنان. ومن جهة اخرى تجاري مطالب السفارات الخارجية وترضي السلطات الدينية. لتكون بذلك، السينما والاعمال المسرحية والفنية والثقافية والفكرية الحلقة الاضعف، وتحت رحمة ثالوث المحرمات “الجنس، الدين، والسياسية ” والذي بدوره يحدد ما اذا كانت الاعمال الفنية “بتقطع او ما بتقطع”,
وهذا ما يتنافى مع طبيعة الفن وسبب وجوده، إذ ان العمل الفني وجد اصلاً، لطرح التساؤلات ولتخطى المحظور والأفكار السائدة والراهنة مقدّماً رؤية الفنان الفردية للأمور.
كما ليست من وظيفة العمل الفني المحافظة على النظام العام او مراعاة احاسيس فردية كانت ام جماعية. كما ليس من وظيفة اي جهاز او مرجعية او سفارة ان تراقب الاعمال الفنية، لان الرقابة تدحض الابداع وتؤسس لعصر جديد من الجمود الفكري نحن في غنى عنه.
الأكثر قراءة
- أنطون سعادة وحزبه بعد 75 عاماً فريق منصة نقِد
- مطار “الحزب” الجديد على أراضي الرهبنة: قضم أراضي الأوقاف المارونية فريق منصة نقِد
- “مات شعبي على الصليب”: 108 سنوات على مجزرة kafno و sayfo فريق منصة نقِد
- قصة “السلطان جبران” الذي أصبح مليارديراً خلدون جابر