جردة الانتخابات الجامعية: حريّة، سيادة، معارضة
نوفمبر 29, 2022
A-
A+
تشكّل نتائج الانتخابات الطلابية واحدة من دلائل كثيرة على الميول السياسية للشباب اللبناني. هذه “الديمقراطية الشبابية” توحي بالحيوية والتنافس الحرّ، أما الأهم فهو أن نتائجها صبت هذا العام، وبشكل واضح، لمصلحة القوى السيادية.
من جامعة سيدة اللويزة إلى جامعة الحكمة، مروراً بالأميركية واليسوعية وبقية الجامعات الخاصة، حصدت القوى السيادية أعلى الأرقام وأفضل النتائج. في بعض الأحيان حتى، لم يكن هناك من تنافس جديّ مع القوى الأخرى، أكان مع التيار الوطني الحر أو حزب الله أو مع من يدور في فلكهما.
أما “النادي العلماني” فأثبت أنه فقاعة صابون سرعان ما تلاشت، فلم يحصد أي نتائج ذي أثر. في جامعة الحكمة مثلاً حصد 51 صوتاً من أصل حوالى ألف و٣٠٠ شاب وصبية شاركوا بالانتخابات اقتراعاً.
يعود فشل “القوى الجديدة” إلى عاملين أساسيين. الأول هو سوء التنظيم وفقر التجربة، إذ أنهم ينشطون في المجال السياسي موسمياً وليسوا منظمين بشكل جدي، وهذا ما يظهر جلياً من خلال خلافاتهم الدائمة. أما خطابهم السياسي، فلا يُصيب كُثر، فتبقى شعاراتهم المثالية صدىً لا وقعاً حقيقياً لها على مسامع الطلاب والجيل الجديد.
أما العامل الثاني، والأهم، فيعود إلى قلة ثقة الشباب اللبناني، حالياً، بتجربة “النواب الجدد”. هذه التجربة أثبتت فشلها الذريع، فتشلّع التكتل بين أعضاءه، فلم يحققوا، جماعة أو فرادة، أي نتائج حقيقية أو ملموسة. لم يستطيعوا الاتفاق على اسم مرشح لرئاسة الجمهورية حتى، ولا أدرك معظمهم أهمية التواصل والتنسيق مع القوى السيادية.
مما لا شك فيه أن تجربة “التكتل” الفاشلة تؤثر بشكل حقيقي على خيارات الطلاب الانتخابية. كما تجعلهم أكثر ميلاً لانتخاب القوى السيادية الثابتة على موقفها والمدركة لأهمية دورها في مواجهة فساد عهد التيار الوطني الحر من ناحية، وتجبّر حزب الله الداخلي ومغامراته الخارجية من ناحية أخرى.
وللأمانة، حصد طلاب حزب القوات اللبنانية العدد الأكبر من المقاعد الطلابية في مختلف الجامعات، وأثبت أنه القوة الأصلب والأنشط والأوسع تمثيلاً في الجامعات حالياً. لا يعود هذا الأمر إلى إمكانات الحزب التنظيمية أو خطابه السياسي فقط، إنما إلى الجدية التي يتسم بها الحزب في عمله السياسي اليومي والتراكمي. هذه الجدية تضفي طابعاً مؤسساتياً نشطاً على صورة الحزب، فينتج عنها، بطبيعة الحال، ثقة أكبر من الناخبين.
هذا وتضم الجامعات الخاصة في لبنان نخبة الطبقة الوسطى اللبنانية، وهي طبقة واعية ومتحركة سياسياً. وذلك على عكس الجامعة اللبنانية الرسمية التي يلتحق بها، عادة، أبناء أصحاب ذوي الدخل المحدود، والمعلّقة فيها الانتخابات الطلابية.
لقد بدأت معظم التغييرات الاجتماعية والسياسية في تاريخ لبنان من النضال الطلابي وحرم الجامعات. فيما نتائج الانتخابات الطلابية اليوم، توحي بحركة وعي جدية بين الجيل الناشئ. لقد اكتشف الطلاب الخائفون على مستقبلهم الوظيفي والحياتي أن مسببي الضرر بحقهم هم حزب الله والقوى الموالية له أو الملحقة به.
أي مستقبل حقيقي لشباب ترى سيادة بلادها مشلّعة بفعل أعمال حزب الله؟ فيما أمنها مهدد بشكل دائم بفعل حضور منظمة مسلحة تهوى الخراب وتنتشي بالدمار والدم؟ أي شعار بليد هذا هو “ما خلونا” أمام حماس شباب بعمر الحيوية يرون المستحيل ممكناً؟
على العموم، يبقى مستقبل لبنان القريب مرتبط بميول الطلاب السياسية، وهم قد أثبتوا، عبر خياراتهم، وعن جدارة، أنهم يتطلعون إلى مستقبل معاكس للواقع الحالي. هذا الواقع الموبوء بخيارات الحرب والفشل ونقض سيادة الدولة والمغامرات الدائمة خارج الحدود.
في إحدى حفلات “إم كلثوم”، وفي لحظة انتشاء فنية، يصرخ أحد المستمعين المصريين “عظمة على عظمة على عظمة”، فأوقف الحفل لبرهة وأجبر الفرقة الموسيقية على البدء بالأغنية من جديد. يستحق الطلاب السياديون شعار “عظمة على عظمة”. أما “العظمة” الثالثة، فسينالوها عن جدارة حين يتوقف الناخبون لبرهة أمام المشهد السياسي اللبناني، ويعيدون العمل الحقيقي والنضال السياسي الموجّه ضد من يمثل حضوره تجبّراً على سيادة لبنان، وحكمهم “فشل على فشل على فشل”.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي