الجرائم ترتفع 515% والسلطة عاجزة
ديسمبر 8, 2022
A-
A+
إثر إجرام المسؤولين الذي يفتك بالشعب اللبناني بأكمله، وغياب دولة عاجزة عن استدراك مأساة أبنائها، بات المواطن يصارع ويتخبط من اجل لقمة عيشه. وأمست غريزة البقاء تسيّر المجتمع بأكمله إذ عادت به الى زمن الانسان الأول حيث البقاء للأقوى. ففي ظل معاناة الشعب اللبناني والفوضى العارمة التي تراود المجتمع على شتى الأصعدة، تتفشى الجرائم على مختلف أنواعها بوتيرة ليست كسابقاتها وبمعدلات تفوق، لا بل تضاعفت المعدلات المتعارف عليها. وأصبح المواطن يتخبط بين مبادئه المكتسبة وأخلاقيات تربّى عليها من جهة، وبين العدوان الكامن في نفسه والصراع لأجل البقاء من جهة أخرى.
ففي الآونة الأخيرة، تتفجر أخبار الصحف ومواقع التواصل بجرائم عنيفة تهز المجتمع كله.
البداية من جريمة قتل الشاب علي خضر مهدي في وادي الخليلي، بين بلدة الزرارية وأنصار، حيث كثُرت الروايات حول الجريمة ودوافعها. والرواية الأكثر انتشاراً كانت أنه قُتل من أجل السرقة، حيث كان بحوزته 33 ألف دولار أميركي. وهو يعمل في تجارة السيارات.
وحسب مصادر أمنية مطّلعة لـ”نقِد”، فإن جريمة القتل التي اعترف بها الموقوف، جاءت كما قال خلال التحقيقات لأسباب شخصية، وبالتالي فإن السطو ليس من أسبابها، كاشفة أن الضحية كان بحوزته 3 آلاف دولار أميركي، وعندما وُجد مقتولاً كانت الأموال لا تزال معه.
كما ضجّت وسائل التواصل ووسائل الإعلام بخبر مقتل الشاب الجنوبي كريم، الذي يزور لبنان بزيارة قصيرة، قادماً من إيطاليا حيث يدرس ويُقيم. وتقول التفاصيل التي نُشرت على مواقع التواصل: “قُتل كريم أثناء عودته إلى منزله سيراً على الأقدام بعد متابعة إحدى مباريات كرة القدم ضمن مباريات كأس العالم. وقد تعرضت له عصابة من اللصوص بهدف سرقته، ثم ما لبثوا أن قتلوه ورموا جثته على جانب الطريق قرب المرفأ”.
لا بد من الإشارة إلى حادثة مقتل السيدة ندى. ش، في بعلبك، التي وقعت بدافع السطو والسرقة كما يُقال على وسائل التواصل الاجتماعي. ولا يمكن الجزم بعد بالرواية الحقيقية التي قد تحمل أبعاداً مغايرة لما نُشر.
ولا يمكن أن ننسى جريمة قتل الطفل ذو السبعة عشر عاما في صيدا، من قبل جاره الميكانيكي، الذي كان يبتغي سرقة المنزل من أجل مجموعة من الخردة. حيث كان المجرم يعتقد أن المنزل فارغ وتفاجأ بالصبي فطعنه بقطعة حديدية بعدة طعنات حتى قتله. ولم يقف عند هذا الحد، بل أوصلته وقاحته الى أن يحضر جنازة الطفل ويعزي أهله.
وما هذه إلا نماذج بسيطة عن الجرائم الكثيرة التي تقع أسبوعيا. كل ذلك، والقوى الأمنية مغيّبة وعاجزة عن مسك الأمن.
إذ كشف تقرير أعدته الشركة “الدولية للمعلومات” اللبنانية عن ارتفاع كبير بمعدلات جرائم السرقة والقتل، وقارنت الشهور العشرة الأولى من 2021 بالفترة عينها من عام 2019، أي قبل أن تتدحرج عجلة الانهيار في لبنان.
وبحسب التقرير -الذي صدر مؤخرا- ارتفعت جرائم السرقة بنسبة 265%، وجرائم القتل 101%. ففي هذه الفترة عام 2019 وقع في لبنان 89 جريمة قتل، بينما وقعت 179 جريمة بالفترة عينها في 2021.
أما السرقة، فارتفعت من 1314 حادثة في 2019 إلى 4804 في 2021. وضرب التقرير مثالا عن ارتفاع معدل سرقة السيارات بنسبة 213%، من 351 سرقة في الفترة المستهدفة عام 2019 إلى 1097 في 2021.
كما رُصد، في تقارير مستجدة صادرة عن القوى الأمنية، ارتفاع مخيف في المعدّل الشهري لجرائم القتل، والخطف، والسرقة، والسلب، بين عام 2019 وآذار 2022. إذ ارتفعت نسبة جرائم القتل بنحو 100%، فيما زاد المعدّل الشهري لجرائم الخطف مقابل فدية ماليّة بنسبة بلغت 515%.أمّا المعدل الشهري للسرقات الموصوفة، فلامست نسبة ارتفاعه الـ 142%، فيما بلغت نسبة زيادة جرائم السلب 334%، وارتفع المعدّل الشهري لجرائم سلب السيارات على وجه الخصوص بنسبة 142%.
ولا تعكس الأرقام المسجّلة بالضرورة عدد الحوادث التي وقعت بالفعل، بل المعلومات المُعلنة من جانب قوى الأمن الداخلي فقط.
في حين أن مبررات هذه الظاهرة الاجرامية تعود الى تداعيات الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، إلا أن الفقر ليس وحده العامل الدافع الى الجريمة. إذ إن ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع لا يمكن أن تكون نتيجة حتمية لعامل واحد، بل تكون وليدة إجتماع عدة مبررات وأولها غياب المحاسبة وتطبيق القانون. ففي ظل التفلت الأمني واضراب القضاة يفقد القانون عامةً والعقوبة خاصةً الغاية المبتغاة وهي ردع الجريمة. كما أن العوامل الشخصية والنفسية للفرد تلعب دوراً بارزاً هي الأخرى، إذ إن الغريزة الأساسية للإنسان هي العدوان، بحسب العالم النفسي فرويد، ما يشكل أبرز المحفزات نحو الاجرام.
إنما وبغض النظر عن الأسباب الدافعة الى ارتكاب الجرائم، تبقى مسؤولية الدولة قائمة للحد من هذه الظاهرة وتطبيق القانون ومحاسبة كل فاعل، شريك، متدخل أو محرض -–بدءًا بالمسؤولين فيها… المرتكبين الأسوء.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي