الفيدرالية حل أم أداة تقسيم؟

ديسمبر 23, 2022

A-

A+

تتكون الدولة من ثلاث مقومات تجعل منها دولة فعّالة: أولًا الأرض، فلا وجود لأي دولة من دون أرض تبنى عليها هي ومؤسساتها، ويعيش عليها شعبها وعلى الأرض أن تكون ذات حدود واضحة أي “مرسّمة” منعًا لأي إنتهاك لأراضي هذه الدولة وسيادتها.

ثانيًا لا دولة من دون مواطنين يعيشون ضمن أراضيها و يمارسون قوانينها لسلامة العلاقات بين المواطنين وبين المواطن و الدولة.

ثالثًا و المكون الأهم هو سلطة تحدّد شكل النظام، لغة الدولة الرسمية، شكل العلم وكل التفاصيل التي تشكل هوية الدولة، من أهم واجبات السلطة هي إستعمال القوة المتاحة لها كي تكون حصرية ضمن نطاقها و نطاق مؤسساتها فقط و قامعة لأي قوّة أو سلاح يقابل سلطتها ضمن الدولة.

في بلدٍ تتخبط فيه الأزمات ببعضها من شدة كثرتها و تتطاير أصابع اللوم من شخص إلى آخر و من فريق سياسيٍ للثّاني، تخطر في أذهان اللبنانيين و تترسّخ فكرة “الفيدرالية” أو في اللغة المحكية “التقسيم” من دون معرفة خطورة الفرق بين الكلمتين. الفيدرالية نظام تتبعه الدولة على جميع أراضيها حيث تحدد الأراضي ضمن وحدات مصغّرة وضمن نطاق ورعاية الدولة الواحدة، مثل “الولايات” في اميركا و “الكنتون” في الدولة السويسرية. كل هذه الوحدات تتمتع بانفرادية في شؤونها الداخلية و ليس باستقلالية عن باقي الوحدات أو الدولة، إذ إنها تضع ممثلين لها و تهتم بشؤونها الداخلية من أنظمة التعليم و الإستشفاء… وهذه الوحدات تضع قوانينها الخاصة التي تتماشى مع الدستور العام للدولة.

نستنج إذًا أن الفيدرالية هي توزيع بعض من قوى الدولة الواحدة ضمن وحدات تابعة لها، بينما تختلف الرؤية كثيراً عندنا في لبنان، “فالتقسيم” هنا أمسى تقسيم لبنان ضمن مناطق مستقلة، تبسط فيها الأحزاب سلطتها من دون قيد أو دستور عام لدولة شاملة. فإذًا صارت هذه المناطق مستقلة عن بعضها وعن الدولة، حتى و لوكانت كلمة “تقسيم” بالمعنى البريء تعني الفيدرالية وإتباع النظام الفدرالي المعقد.

وبحسب من يطالب التقسيم، الوحدات ضمن لبنان قد تقسّم على أسس إختلاف العقائد، والقيم، والعدات والتقاليد (مثل الهند و الكنتونات السويسرية المبنية على إختلاف اللغة و العقائد) أي بالمختصر التقسيم على أساس الطائفة والإنتماء السياسي. ولكن في بلد مثل لبنان حدوده سائبة، سيادته ناقصة والسلاح طاغٍ  مع الفساد المهيمن على جميع مفاصل السلطة، كم ستزيد نسبة التهريب في الوحدات على الحدود السورية اللبنانية المنبسطة فيها عقيدة وسياسة حزب لله؟

أما السؤال الذي يجب أن يكون مطروحًا و مدروسًا بتعمق هو هل من المعقول أن يتّبع حزب لله “الدستور الأعلى” ضمن الكنتونات التي يبسط فيها هيمنته؟ في وقت حيث أن الدولة و”قوّتها” تمسك بجميع المناطق اللبنانية ولا نزال نرى دويلة حزب لله تتصاعد على الدولة و تناقضها.

الفيدرالية من أنجح أنظمة الدول إلا أنها مجازفة بسيادة لبنان وإستقلاله في ظل تواجد حزب لله. إذ في وقت يتنعم حزب لله بمقومات شبيهة بالدولة كشعب أو مناصرين يضعون ولائهم للدويلة قبل الدولة، ولديه دعم إقتصادي وسياسي وعسكري من إيران لضمان ديمومته بالإضافة لأراضٍ تحت سيطرته و نظاماً من ولاية الفقيه يستبدل به الدستور وقوانين الدولة وسلتطها،  من المرجّح أن نرى ظهورًا مستقلًا لحزب لله عن الشرعية اللبنانية و سلتطها و يمسي حالنا حال ألمانيا الشرقية و الغربية خلال الحرب الباردة في القرن الماضي أو حال كوريا الشمالية و الجنوية في الحاضر الذي نعيشه أي دولتان تتنازعان على القوة في أرض واحدة.

في النهاية بالرّغم من نجاح هذا النظام إلّا أن علينا عدم المجازفة بسيادة لبنان وأرضه وشعبه بوجه حزب لله  وسلاحه غير الشرعي، كي يبقى لبنان كما عرفناه منذ الأزل صورةً و أيقونة للحريّة و التحضّر، كي يبقى لبنان ١٠٤٥٢ كلم٢.