هل يُحبّني لبنان بقدر حبي له؟

فبراير 14, 2023

A-

A+

طُلِبَ مني يومًا أن أكتب عن تغير الحب على إثر الثورات والحروب في البلدان العربية. ولكنني لم أجد يومًا فارق بين الحب والثورة.

وأوجه التشابه بين الحب والثورة كبيرة، فلا ثورة بدون حب ولا حب بدون ثورة، والحب لا يكون حقيقياً إن لم يكن ثورة. إن الثورة كامنة تخمد ثم تتفجر، ولكنها لا تموت. تمامًا كالحب، هو كامن وإن لم نشعر به، لا يموت، يحيا فينا ونحيا به. والثائر والمحب كلاهما يسعى لتجاوز حالِ قائم إلى حالٍ مُبتغى.

والحب ليس فقط حب الحبيب إنما حب الوطن الذي يمثل أسمى أنواع الحب، فالوطن هو الحضن والملاذ الآمن الذي تأوي إليه أرواحنا، والبيت الكبير الذي يجمع الأهل والأحبة أحياء وأمواتا، إذ نولد فيه ونتربى ونترعرع ونكبر في كنفه ونتمنى أن نموت وندفن فيه، فالوطن هو الرابطة التي تشدنا أينما حللنا أو ارتحلنا.

إن حب الوطن هو حب غير عادي، حب لا يمكن وصفه بالكلمات، حب لا مقابل له.

إن حبي للبنان حبٌ جبرانيٌ، فلو عرضت عليَّ لائحةً بالأوطان لاخترت أن يكون لبنان وطنًا لي.”

إن حبي لهذا الوطن يتخطى كل التابوهات والحروب والثورات، رغم أني لا أعلم إذا كان هو يحبني بقدر حبي له. فقد أعطيناه كل ما نملك ومن قمنا بإختيارهم قابلونا بـ”إذا مش عاجبكن فللوا!”

حبنا للبنان يمثل الحب الصعب الممتنع، فهو حباً خالصاً، وليس ادعاء للحصول على مطامعنا الشخصية أو سبيلاً لنيل أهدافنا الذاتية، فلبنان لم يقدم لنا شيئًا سوى روحه.

فنحن نحبه من دون رفع الشعارات الجوفاء التي ظاهرها الولاء والحب، وباطنها حاجة في نفس يعقوب، وللبنانيين تاريخ في الحرص على النضال والتضحية في سبيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ونصرة المظلوم ورفض الظلم، ونبذ كل صور التسلط والعدوان الممارسة فيه بوسائل حضارية، لتحرير الوطن من الفساد الذي يُعَد العدو الحقيقي له وعدم السكوت على ظلم أنظمتنا السياسية.

اما إذا كان الحب بالسكوت على ظلم الأنظمة السياسية وبطش القضاء وفساد المؤسسات العسكرية فأنا لا أريد هذا الحب.

فإن مشكلة وطننا الأساسية أنه يدار لحساب نخبة وليس لحساب عامة المواطنين إضافةً الى التطبيل والتضليل الذي يقوم به الشعب بعبادة أنظمة سياسية فات عليها الزمن، والشعب الذي يظن أن هذه هي الوطنية لا يساوي حتى قطيع الغنم في تماسكه وقوته.

“الحق يعلو ولا يعلى عليه” باتت اليوم عبارة لا معنى لها مع انحلال ميزان العدل في لبنان وحب الوطن لم يعد يكفي للحلول أمام كل المصاعب التي تتحدانا بقدرات فائقة.

لذا اليوم أو أبدًا، يجب كشف خبث الفاسدين مهما علت درجتهم في سلم المسؤولية ومهما كان منصبهم عاليا في وطننا، والحق مهما ازداد عدد جلّاديه يعلو ولا يعلى عليه.

وان عدم إنكار الفساد دليل رضا على ما يمارسونه من تضليل وتحايل ونهب بمختلف أشكاله، ومع أن الحقيقة تظل وجهة نظر طائفية ومناطقية إلا أن ذلك لا يعني السكوت عن الحق بدافع الحب.

عسى يومًا أن تنمو بنا روح الإحساس بالكرامة ويزدهر الطموح لخدمة الوطن، اذ يبقى الفارق الوحيد بيننا وبين المسؤولين السياسيين أننا نحب وطننا بصدق، وهم يحبون المال والمناصب حبا جما، ونحن مستعدين للتضحية من أجله.