ثنائيات لبنان التاريخية: من القيسيين واليمنيين إلى الموالاة والمعارضة

فبراير 16, 2023

A-

A+

على الرغم من صغر لبنان إلا أن الصراعات فيه لا تنتهي، إذ منذ عهد المتصرفية، مروراً بحقبة لبنان الكبير إلى يومنا هذا تتجدد الصراعات، ولكن الفرق وإن أمعنا النظر في كل حقبة مر بها لبنان ونظرنا في عوامل الصراع نستطيع الملاحظة أن جميع الصراعات ذات العنوان العريض في لبنان قُسِّمت بين فريقين كبيرين وأساسيين يتضمن داخلهما الأحزاب التي تحمل التيارات، العقائد والأفكار السياسية المتشابة إلى حدّ ما.

خلال عهد السيطرة العثمانية على المنطقة كانت الحياة السياسية شبه معدومة وبدائية في لبنان، فإنقسمت التيارات الفكرية على فريقين وهما القيسيين واليمنيين، كان رأس الفريقان من العائلات الدرزية لكن جمهورهما لم يقتصرا على الدروز فحسب إنما على السنيين والموارنة القاتنين في منطقة نفوذ الأحزاب وبعض الأقليات القريبة من المنطقة. فإذًا نرى إختلافًا واسعاً ضمن هذه الثنائية أساسها القيم والعقائد الدينية، وبالرغم من ذلك إستطاع هذان المحوران إستقطاب المجموعات الصغرى إلى كنفهما.

إن تقدمنا إلى الأمام حوالي الـ200 عاماً أو أكثر وتحديدًا عام 1975، وسط الدمار والبطش وبين ألوف من الجيوش على الساحة اللبنانية، نستطيع ملاحظة الثنائية وضوح الشمس حيث تقسمت ضمن حراكين وهما “الجبهة اللبنانية” ذات أغلبية ماورنية – مسيحية و فكر سياسي يميني وطني (nationalist)، و”الحركة الشعبية” ذات الأغلبية المسلمة بالإضافة لسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية حاملةً عقائد يسارية.

الجبهة الأولى كانت تهدف لحماية القرار التعددي كما حماية لبنان من الجيوش الغريبة عن الوطن أما الحركة الشعبية كانت تهدف لحماية ودعم القضية الفلسطينية أولًا وتغيير النظام الذي كان يعطي تقدمًا و أفضليةً للمسحيين على المسلمين.

ثنائية الحرب التي إستمرت من الـ1975 حتى الـ1990 كانت مبنية على الإختلاف الديني (بإستثناء القوميين والشيوعيين الذين شاركوا لأسباب بعيدة عن أهداف المحورين) والسياسي.

مع إنتهاء الحرب عادت الميلشيات وإنتظمت في صفوف الأحزاب السياسية بإستثناء حزب لله الذي أعطي له حق مقاومة إسرائيل بعد حروب قاسية مع اليساريين و إقتتال الإخوة الشيعية لهيمنة حق المقاومة حصرًا له، فيما بقيت وصاية سوريا على لبنان مما أدّى وبعد 15 عامًا من إنتهاء الحرب تحديدًا في 14 آذار 2005 إلى ثورة الأرز نتيجة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وجاءت هذه الحركة ردًا على تحركات 8 آذار المهللة لسوريا. ومن هنا أنشأت ثنائية الـ2000 ونالت المحوار إسمها من تاريخ إنتفاضتها. قسمت الثنائيات على إختلافات عدة و لكن الأهم كانت خروج سوريا الكلي والحتمي من الواقع اللبناني ووقف السلاح غير المحصور بالقوة الأمنية اللبنانية.

أما اليوم إمتدت تحركات 8 و14 آذار وضّمت أفرقاء جدد إلى صفوفها، كما خسرت بعضًا وتغيّرت بعض السياسات مع جلاء الجيش السوري من لبنان فولدَ من الحركتين ثنائية هجينة متشابهة لقوى 8 و14 آذار و ترجمت إلى محور الممانعة و محور المعارضة. المحور الأوّل اليوم هو محور قوي، متراص ومتين غير قابل للتشتت بفضل نفوذ حزب لله وسلاحه ورغبة باقي الفرق الأضعف البقاء في فلكه للوصول إلى السلطة و النفوذ وجميع الأفراد متفقين على أساس أن سلاح الحزب هو ضرورة قصوة لضمان صلابة لبنان، أما محور المعارضة والسيادة فهو محور أكبر بحيث التمثيل البرلماني لكنه شديد التشتت وكانت إحدى أهم الأسباب لخسارته في معظم الإستحقاقات التي شارك بها ، لكن جميع الأفراد ضمن صفوفه متفقين على أن عزلة لبنان ومصائبه الاقتصادية، السياسية  سببها الأساسي حزب لله و سياسة بعض الأحزاب التي ترعى وجوده فنعود بطريقة أو بأخرى لأصل الآفة وهي حزب لله.

الثنائية والتعددية ضمن الثنائية موجودة في الواقع اللبناني وأصبحت من هويته، لربما بسبب الطائفية السياسية ورغبة الآخر بالنفوذ، لكنه واقع لا يمكن الهروب منه وفيما يخص ثنائيات اليوم  فإن محور المعارضة قد نال فرصةً لتغيير الواقع الذي نعيشه منذ أكثر من عقد، من خلال الإنتخابات النيابية في أيار الماضي، فعليه عدم تضييع الفرصة لتغيير موازين القوة لصالحه جرّاء تشتت البعض و أوليغارشية بعض النواب التي تهمهم الصورة والهتافات الرنانة لضمان مقاعدعهم في الانتخابات اللاحقة. فنزع السلاح غير الشرعي ومحاسبة الفاسدين ومحاسبة المتورطين في أبشع جريمة شهدتها بيروت أكبر من الصور، أكبر من المقاعد و بالتأكيد أكبر من أنانية بعض التغيريين “المتغيرين”.