الخوف والاضطراب والتروما أصدقاء اللبنانيين الجدد

مارس 3, 2023

A-

A+

القلق، ميزة حصل عليها المواطن اللبناني منذ زمن بعيد. جانبًا إلى جنب مع الأزمة السياسية والاقتصادية التي حلّت منذ العام 2019 والبؤسُ، يستذكر اللبنانيين ابتداءً من تفجير مرفأ بيروت الذي هزّ البلاد لقوته والأضرار التي حلّت نتيجة للدمار القاتل غير المتوقع. الهدوء هو الشعور الذي لم ينعم به اللبناني على الأقل فكريًا، في متابعة اسعار الدولار والمعيشة، والتشرّد وازدياد عدد العائلات التي تعيش تحت خط الفقر، أمور لا يمكن أن نتخطاها فهي عنصر رئيسي للعيش ومتابعة الحياة.

في بداية شهر شباط، قضت القشرة الأرضية أن تتحرك وتودي بحياة الآلاف من الضحايا في سوريا وتركيا. تأثّر لبنان بالاهتزازات فقد شعر بها أغلب سكان لبنان. ذلك ما أدّى لخسارة مباني وتصدّع الكثير منها وهي ما تشكّل اليوم خطرًا على حياة سكّانها. عنصر جديد للقلق والإرباك، مدمر لا بد من الأخذ به بعين الاعتبار وزيادته على لائحة التهديدات للعيش الطبيعي. تكرّر هذا الارتعاش مرة أخرى بقوّة أخفّ من الزلزال المدمّر الكبير، لكنّ ذلك لا يشكّل اطمئنانًا للسكان بل أنّهم أصبحوا أكثر حذرًا، فقد خرج الكثير إلى الشارع في ليل 19 شباط ليحموا أنفسهم من الموت تحت الردم أو الانتظار ليالٍ عديدة في البرد والعطش كما هو الحال في سوريا وتركيا وكما كان الحال في تفجير بيروت في آب 2020. 

لا يحتمل اللبنانيون المزيد من المآسي، حيث كانت البيوت الملجأ الوحيد من كل ما يحدث في حياتهم اليومية، اليوم هي الكابوس، الخوف من النوم وعدم الاستيقاظ بسبب عدم استقرار الأرض، ليس الدولار، ليست المحروقات، ليس الخبز بل البساط الذي يمتد تحت أجسادهم الغارقة في النوم هربًا من واقع مرير وغير مستقر. بالرغم من غياب الخسائر المادية إلّا أنّ الحالة النفسية للشعب اللبناني لم تعد مرِنة، وصارت أصغر الأشياء تؤثر في نفوسهم وتزيد من الاضطراب والخوف وتكوين فوبيا جديدة: الزلزال.

الزلازل كارثة خطيرة تسفر عن خسائر فادحة وخسارات في لحظة واحدة، وهذا ما يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في النفوس. إن المواطن اليوم عبارة عن ورقة بيضاء جديدة في كتاب الحياة في لبنان يُكتب فيها أولى سطور الخوف والقلق والحذر الدائم والتفكير بالأطفال وكيفية حمايتهم. قد لجأ بعض المواطنين إلى افتراش الشارع والنوم بالسيارات فلا ثقة بالبناء القديم أو المتصدع كما أنّ البعض اقتضى إلى حزم الأمتعة وتجهيزها في حال حدوث أي اهتزاز مفاجئ. وفي طرابلس يشكو السكان من المباني القديمة جدًّا التي يسكنون فيها كما الحال في محيط نهر “أبو علي” فهي غير آمنة وأغلبها قديمة أثرية.

يقول الأخصائيون في علم النفس أنّ ما يحدث بعد الزلزال يُسمى بالصدمة الحادة التي تستمر لمدة شهر واذا طالت تصبح حالة اضطراب ما بعد الصدمة وتتطلب التدخل العلاجي. لربما يجد البعض أنّ بعض ردّات الفعل التي حصلت والقلق الدائم مبالغ فيه ولكن الصدمات على اللبنانيين ليست وليدة اليوم وقد يحتار بعض الأفراد في طريقة الهرب ومحاولة حماية أنفسهم حتى في نومهم. زيادة على ذلك راحت تنتشر الكثير من الأخبار الخاطئة والإشاعات ما زاد الرعب في نفوس الناس. لا لوم اليوم على أي ردة فعل، فهم الناجون جزئيًا من انفجار كبير طال المدينة والعالم برعبه ومشاهدة ما نتج عن الزلزال في سوريا وتركيا لن يترك في عقول اللبنانيين إلّا الخوف والقلق ودعوة لتحدّي الموت غير المتوقع مرّة أخرى كما عهدوا قلة الأمان على مرّ السنين في الوطن.