بعد الاتفاق السعودي الايراني: أين لبنان على خارطة المصالحات الإقليمية؟

مارس 20, 2023

A-

A+

ابصر الإتفاق السعودي الايراني النور برعاية الصين، وأعلنت السعودية وإيران الاتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بينهما منذ عام 2016، وفقا لبيان مشترك صدر عن البلدين. الاتفاق شكّل نوع من المفاجأة للولايات المتحدة كونه يعزز دور الصين العالمي خاصةً الاقتصادي. لهذا الاتفاق تداعيات على عدد من الدول كون للبلدين اي السعودية وايران تأثير ونفوذ سياسي في بلدان عديدة ومنها لبنان، وقبل الغوص في تداعيات الاتفاق على لبنان، لا بد من عرض تاريخ العلاقة بين السعودية وايران. فالعلاقة بين البلدين شهدت توتر وصل الحد من الحرب، وتنافس ونوع من التباعد بسبب عوامل عديدة واهمها البعد الطائفي، والبعد السياسي، حيث اعتبرت السعودية ان ايران دولة فارسية تريد التوسع في الدول العربية اما ايران فاعتبرت ان السعودية حليف وثيق للولايات المتحدة وتريد الانقضاض عليها بمساعدة الولايات المتحدة.

تاريخ العلاقة بين البلدين

ان العلاقة بين البلدين شهدت الكثير من التوترات حيث اجمع الكثيرون ان ايران والسعودية من أشد الخصوم. بدأت العلاقة بين البلدين بعد توقيع معاهدة صداقة في 1929، وفي 1930 بدأ البلدين في تبادل السفراء وإفتتحت أول سفارة إيرانية وكانت في جدة. في العام 1943 انقطعت العلاقة بين السعودية وايران بسبب إعدام السلطات السعودية أحد الحجاج الإيرانيين، وأثناء الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 صرح الملك فهد ولي العهد آنذاك في لقاء صحفي أن السعودية تقف إلى جوار الشرعية في إشارة إلى الشاه محمد رضا بهلوي. حاولت جمهورية إيران الإسلامية في البداية تصدير الثورة إلى دول الجوار وخاصة العراق ودول الخليج ومن الأحداث المتأثرة بالثورة الإسلامية الإيرانية ما عرف بأحداث انتفاضة محرم في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية في تشرين الثاني 1979 انتفاضة محرم، هي فترة من الاضطرابات المدنية غير المسبوقة التي حدثت في القطيف والأحساء بالمملكة العربية السعودية أسفرت الاضطرابات عن مقتل 20-24 شخصًا فيما وُصف بأنه أعمال عُنف طائفية بين الأقلية الشيعية والأغلبية السنية في المملكة العربية السعودية، كما إستضافت إيران بعض المعارضين السعوديين الشيعة  داخل أراضيها.

منذ بداية الحرب العراقية – الإيرانية عام 1980- 1988،  قامت السعودية بمساعدة ودعم وإمداد العراق لوجستياً خلال الحرب، و كرد فعل إيراني على هذا الدعم قامت إيران بمحاولة نقل المعركة إلى داخل السعودية عن طريق قصف ناقلات النفط السعودية في الخليج العربي واغتيال الدبلوماسيين السعوديين في الخارج، وفي 5 حزيران من عام 1984 أثناء الحرب العراقية الإيرانية قامت القوات الجوية الإيرانية عن طريق 4 طائرات من نوع إف 4 باختراق المجال الجوي السعودي، وقامت القوات الجوية السعودية بالتصدي للاختراق الإيراني بطائراتين من طراز إف 15 واستطاعت إسقاط طائرتين إيرانيتين وإصابة ثالثة، فيما نجحت الطائرة الإيرانية الرابعة بقصف خزان للمياة في الدمام.

في عام 1987 وأثناء موسم الحج أثار الحجاج الإيرانيون الشغب في مكة المكرمة لأجل تحرير فلسطين ورفضا للسياسة الأميركية وللاعتراض على الموقف السعودي المساند للعراق أثناء الحرب العراقية الإيرانية وأسفرت تلك الأحداث عن مقتل 402 شخص.

عام 1987 قطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد مصرع أكثر من 400 شخص، معظمهم إيرانيون بسبب الأعمال التخريبية التي قام بها الحجاج الإيرانيين من قطع للطريق واشعال النيران بالمركبات والممتلكات العامة وقتل الحجاج الاخرين بالسلاح الابيض، أثناء أدائهم فريضة 1407هـ الحج، في منى في صدامات مع الشرطة السعودية عرفت باسم أحداث مكة 1987.

على عكس فترة الثمانينات الدموية توصف فترة التسعينات وبداية الألفية بأنها فترة ذهبية في العلاقات الإيرانية السعودية وخاصة مع وصول رئيسين إصلاحيين مثل هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي الذي زار السعودية في عام 1997 في أرفع زيارة لمسؤول إيراني للسعودية منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية، ووقعت إتفاقية أمنية بين إيران والسعودية في 2001، زبدوره وزار وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود إيران في أرفع زيارة لمسؤول سعودي لإيران منذ عقود، ولم تسجل في تلك الفترة أي إتهامات أو خلافات أو توترات واضحة بين البلدين.

عام 2005 عاد التوتر من جديد بين البلدين بعد وصول الرئيس المحافظ أحمدي نجاد للسلطة ومع تطور البرنامج النووي الإيراني و سيطرة الأحزاب الشيعية المتحالفة مع إيران على السلطة في العراق الجار الشمالي للسعودية.

وشهدت العلاقات مزيد من التوتر، ففي عام 2011 زعم مسؤولون اميركيون أن هناك مؤامرة من قبل الحكومة الإيرانية لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة عادل الجبير، الى جانب الحرب السورية وحرب السعودية والحوثيين المدعومين من ايران، كما قامت السلطات السعودية في الثاني من كانون الثاني عام 2016 بإعدام 47 شخصاً بتهم متعلقة بالإرهاب، معظمهم مرتبطون بتنظيم القاعدة. إلا أن أربعة من المتهمين كانوا من الشيعة وأبرزهم نمر النمر وهو عالم دين شيعي سعودي ذو نشاط سياسي معارض وله روابط بالنظام الإيراني. وقطعت السعودية  العلاقة مجدداً مع ايران في مطلع 2016 بعد الهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران.

وتمت إعادة الصلح بإتفاق مُعلن في 10 آذار 2023 في العاصمة الصينية بكين.

اثار الاتفاق على اليمن والعراق

لا بد من الاعتراف ان المحادثات السعودية الايرانية سترخي ظلالها على الدول في المنطقة، فمثلاً اعلنت ايران انها ستوقف تمويل الجموعات المدعومة من قبلها في اليمن، فمن المحتمل جدا أن تلتزم طهران بالضغط على حلفائها في اليمن ليكونوا أكثر استعداداً لإنهاء الصراع في ذلك البلد، وتعتبر اليمن من اكثر الدول المتضررة من خلاف ايران والسعودية.

اما بالنسبة للعراق فكما اليمن ان اتفاق السعودية وايران سيجعل من العراق ساحة تتجه نحو الاستقرار اكثر وخصوصاً أن للعراق تاريخ طويل من المعاناة بسبب ايران.

الجدير ذكره ان العراق لعب دوراً بارزاً في المحادثات الايرانية، والتوصل للاتفاق بعد أن استضافت بغداد عدة جولات للحوار بين البلدين خلال السنتين الماضيتين.

لبنان ليس بعيد عن اثار الاتفاق

صحيح ان اثار الاتفاق ستتطلب وقت للترجمة في لبنان، لكن لبنان كما العراق، واليمن، سيرخي الاتفاق ظلاله عليه ويمهد لنوع من الهدوء السياسي على ساحته. ومن ابرز الاستحقاقات في لبنان هي رئاسة الجمهورية، فلابد من ان الاتفاق سيلعب دوراً هاماً في هذا الاستحقاق على الرغم من أن هناك وجهتي نظر، الاولى تقول ان ورقة اليمن سلمت للسعودية ولبنان لايران مما يعني وصول سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية، أما الثانية تقول ان لبنان كما العراق واليمن ستنتهج فيه ايران نوع من الدبلوماسية والتراخي حول مشروعها التوسعي مما يعني عرقلة وصول سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية.

وعقب اعلان الاتفاق، برز تصريح لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أكد فيه أن “لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني وليس لتقارب إيراني سعودي”.

أخيراً، لبنان كما باقي الدول سيتأُثر بأي مصالحة كبرى في المنطقة فكيف بين دولتين لهما تأثير عليه، ربما لن تتجلى تداعيات الاتفاق مباشرة على لبنان لكن من الاكيد ان التداعيات بدأت تتجلى في اليمن وسوف يلحقها لبنان.

من المؤكد ان الدولتين استفادت من الاتفاق كما دول المنطقة، حيث استفادت ايران من كسر عزلتها، اما بالنسبة للسعودية، فستسفيد من الهدوء الامني الذي سيحققه الاتفاق خاصةً مع استثماراتها الكبرى في المشاريع الاقتصادية.