“بدعة” الوحدة التي ينادي بها “الحزب”: ما يَحُق لي يُمنَع عليكم

أبريل 20, 2023

A-

A+

لقد زادت المطالب بتقسيم لبنان في الآونة الأخيرة خصوصًا بعد “تقسيم” اللبنانيين بين مؤيد لتقديم الساعة و معارضها، إذ أن اللبنانيين يرون أن شرخًا كبيرًا في الثقافة والقيم ونمط العيش قد أصبح موجودًا بين المجموعات اللبنانية، و”بدعة العيش المشترك” قد إنتفت.

في المقابل هناك من يرى أن لبنان يجب ألا يقسم بل على العكس تمامًا، وعليه البقاء موحدًا والقرار فيه يجب أن يكون مركزيًا و يخدم مطالب الأكثرية العددية. كثرت هكذا نظريات في الآونة الأخيرة لكن الغريب في هذه السياسة أمرَين، الأول بأن هذا الطرح معروض من قبل فريق حزب لله الذي لم يمارس السياسة البارحة بل إنه إبن السياسة اللبنانية منذ عام 1985 ويعلم أن الركيزة الأساسية في التركيبة السياسية هي الجماعات و تعدديتها. أما الأمر الثاني فهو “الحزب” من خلال العقيدة و الأدلجة يطرح من تلقاء نفسه مشروعًا يناقض مطلبه التوحيدي ويأخذنا للفدرالية وما أبعد منها بسبب الشرخ الكبير بين فكره  ومبادئه ومشروعه المختلف شديد الإختلاف عن فكر و طموحات بقية اللبنانيين.

لمشروع هذه الفدرلة عدة مقومات أهمها تواجد حزب لله ضمن مناطق جغرافية معينة خالقاً نوعًا من الوحدات ( الولايات أو الكانتونات) الموجودة في النظام الفدرالي. عدا ذلك، لحزب لله مشروع سياسي متكامل الأوجه من شكل نظام الحكم لكيفية إدارة الدولة وكيفية حل النزاعات بين الأفراد بالإضافة إلى مؤسسات مالية تابعة له. لكن الأهم والسبب الأساسي الذي أبعد “الحزب” عن اللبنانيين هو عقيدته إذ أنها السبب الأساسي في هذا الإنشقاق عن باقي المجموعات.

ففي الوقت الذي تختلف المكونات اللبنانية على نظام الحكم وحصص كل طائفة من السلطة، يختلف حزب لله حول طبيعة لبنان كله ككيان، إذ يراه إمتدادًا لمشروع الثورة الإسلامية الإيرانية في الشرق الأوسط يحكمه حاكم الزمان والمكان .

إن الفائض الذي يملكه حزب لله من هذه المقومات سمح له بخلق إستقلالية عن الدولة  وقد خلق وحدات جغرافية كالضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب اللبناني تحت حمايته العسكرية وجعلها مستقلةً اقتصادياً “نوعاً ما” وتابعة لنظامه الخاص، مما يظهر لنا شكلًا من مقومات الفدرالية. لكن إستقلالية حزب لله في نطاقاته الجغرافية أوسع بكثير من النظام الفدرالي إذ إن الإستقلالية التي ينعم بها حزب لله بسبب فائض قوَته العسكرية قد أعطته إنعزالًا تامًا عن الدولة، والمثال الأكبر على ذلك توسع مصرفه الخاص وافتتاح فروع جديدة للقرض الحسن. من هنا نرى مدى نفوذ قوة حزب لله وقدرة إنعزاله عن الدولة وفي بعض الأوقات تحديها و مواجهتها .

لم يعد حزب لله في طبيعته وعقيدته دويلة وتحديًا للسلطة فقط بل تحديًا ومنافساً لكل اللبنانيين بعقائده و سياسته وممارسته التي زادت الشرخ بينه وبين اللبنانيين، مما تناقض أفكار التوحيد التي ينادي بها قياديو الحزب، بل متّنت و عززت فكرة الفدرالية بين اللبنانيين جرّاء الشرخ الذي خلقه حزب لله ضمن اللبنانيين وإمتداده الجغرافي الذي خلق حالة أخطر من الفدرالية وهي التقسيم، إذ أن هذه الإنعزالية المفرطة وتحدي مقومات الدولة الموجدة في مناطق نفوذ حزب لله قد خلقت شكلًا أشبه بحالة ألمانيا الشرقية والغربية بين الموت و الجوع جراء النظام السوفييتي وبين التجدد والحياة جراء الدولة والمؤسسات.

وهنا، يترك لنا حزب لله فرضيتَين للاختيار بينهما، إما العيش في كنف الدولة والمؤسسات والحرية والعيش بكرامة في دولة مدنية فعلية، واما العيش في دولة دينية غريبة عن أغلبية اللبنانيين والانجرار في الحروب الإقليمية والموت والجوع و تهديم ما تبقى من مقومات الدولة. ومن هنا لكم حريّة الإختيار، لكن ما على اللبنانيين معرفته بأن بدعة “الوحدة” التي ينادي بها حزب لله ليست سوى سردية يعتمدها لإظهار الحرص على الكيان اللبناني لكن بالمقابل فإن حزب الله هو االمسبب الأهم في تقسيم لبنان.