تحدي وإصرار… أول فريق كرة قدم لقصار القامة في لبنان
أغسطس 12, 2022
A-
A+
اللاجئة الفلسطينية ريما العينا من مخيم نهر البارد سكان مخيم البداوي دفعها تنمر المجتمع وقساوته إلى تأسيس أول فريق كرة قدم لقصار القامة في لبنان. ريما تبلغ من العمر 38 عاماً منحدرة من بلدة علما الفلسطينية المهجرة قضاء مدينة صفد المحتلة وتقطن في مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين شمالي لبنان، لديها سمة تميزها وهي أنها ولدت بقامة أقصر من الآخرين.
العينا من عائلة فيها ستة أشخاص من قصار القامة، عاشت وعائلتها حالة تنمر من قبل المجتمع حتى وصل بها الحال إلى ترك المدرسة في وقت مبكر. تقول العينا “بقيت لفترة طويلة بغرفة مغلقة لا أتكلم مع أحد إلى أن جاء الوقت وكسرت ذلك الحاجز، وقررت أن أخرج إلى مقابلة الناس، فأنا إنسانة متلي متل غيري ويمكن أكون أحسن”.
المثير للتفاؤل والسعادة في قصة ريما أن طموحها وإصرارها على فعل شيء يميزها حقاً كانا أقوى من الظروف كافة، فالحلم صار حقيقة ومشروعها بإنشاء فريق كرة قدم لقصار القامة في لبنان صار واقعاً، هو الأول من نوعه في هذا البلد عوضاً عن أنها من فترة وجيزة إرتبطت بشاب من قصار القامة في المغرب.
في عام 2021 أسست ريما العينا فريقها لكرة القدم وأسمته “تنويع” ذوي الهمم، وفي مخططها هدفان هما تسليط الضوء على قضية الأشخاص ذوي القامة القصيرة واحتياجاتهم وتوجيه نداء بضرورة التفات المعنيين إليهم للحصول على حقوقهم التي تعتبرها “مهمّشة” وأيضاً من أجل أن توضح على أرض الواقع بأن هذه الفئة من الناس مهمة وتستطيع تقديم ما هو مفيد وهام وتشارك في بناء المجتمع.
يضم الفريق حوالي 24 شخصاً من لاعبين ومدربين وإداريين إلى جانب المُؤسِسَة ريما التي استلهمت فكرة تشكيله من خلال متابعتها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المتخصصة بقضايا لها علاقة بالأشخاص ذوي القامة القصيرة،
ومن خلال دعوتها لحضور مباراةٍ لقصار القامّة في مصر، تعرفت على أفراد في دول عربية شكلوا فرقاً لهذه الفئة، وتواصلت معهم وتفاعلت مع أنشطتهم وتجاربهم الرياضية، لتؤسس نفسها من أجل تشكيل فريق في لبنان.
بدأت ريما بالبحث عن مدرب، واتصلت بأحد مدربي كرة القدم لللأطفال وطلبت منه استعارة ملابس للاعبين فوافق على ذلك وشجعها على تأسيس فريقها، بعدها بحثت من خلال صفحات وسائل التواصل الاجتماعي عن كل إنسان قصير القامة بالعالم، وخاصة في المخيّمات الفلسطينية، وتعرّفت عليهم، ومن خلال سفرها إلى مصر اكتشفت كيف يُعامل قِصار القامة هناك، حيث أنّ لهم حقوق ويتمتعون برعاية واهتمام كبيرين، أما في لبنان فهم مهمّشون.
وفي هذا الصدد تقول العينا: “صرت أدور على كل شخص قصير واحكيلو بتحب يكون إلك اسم وحقوق، وصرت أحكيلهم عن تجربتي، ورحت أبحث بالطرقات وبأي مكان آخر يوجد فيه قصير القامة، حتى أحكي معه، وآخد رقمه وأسجله حتى أسست أول منتخب لوحدي، فأصبح الفريق متنوّع من كل مناطق لبنان، ومن كل مخيّم، واكتمل عدد المنتخب”.
تشير ريما إلى أنّ شغفها بهذا المشروع وإيمانها بأهميّته دفعها للتكفّل بتأمين المواصلات للاعبين على نفقتها الخاصة، فهو قائم على مبادرة شخصية وتطوعية منها من دون دعم أو أي تمويل ماديّ.
من التحديات التي واجهت ريما هي كيفية جعل المحيطين بها يؤمنون بها وبقدراتها، وكيف ستؤمن مصاريف الطرقات لتجميع الفريق أسبوعياً.
فريق “تنويع” ذوي الهمم يضم لاعبين من جنسيات مختلفة تقيم على الأراضي اللبنانية، ففيه الفلسطيني واللبناني والسوري وفيه الذكور والإناث أيضاً، جميعهم يجتمعون يوم الأحد من كل أسبوع في ملعب بمخيم البداوي تحت راية هدف واحد وحلم مشترك.
يقول أبو علي اللبناني اللاعب في فريق قصار القامة البالغ من العمر 52 عاماً إنه حاول عدة مرات الانضمام إلى فريق لكرة القدم إلا أنه دائماً ما كان يواجه بالرفض وذلك لقصر قامته ولأنه سيواجه صعوبة بالركض والتفاعل مع اللاعبين العاديين.
كذلك وجد أحمد عرنوس وهو سوري من مدينة إدلب ما كان يحلم به منذ صغره في هذا الفريق، يقول أحمد: إنه أحب أن يلعب كرة القدم منذ أن كان طفلاُ إلا أن جميع محاولاته بالانضمام لفريق كانت تبوء بالفشل، فقط لاختلافه عن غيره بالشكل، ما أصابه باليأس والاتجاه إلى العمل في مجال آخر يعتاش منه.
يتابع أحمد: “دلّني أحد أصدقائي إلى هذا الفريق، وبالفعل قررت أن أخوض التجربة، حقيقةً بأسابيع قليلة تغيّرت حياتي الاجتماعية ثقتي بنفسي ارتفعت كثيراً، ألعب بشغفٍ وحبٍّ، كلّ أعضاء الفريق إخوة فيما بينهم”.
هؤلاء الشابات والشبان يتدربون مبتسمين واثقين يحذوهم الأمل، ربما تغلبوا على غصة في نفوسهم سببتها الظروف المجتمعية المحيطة بهم، لكنهم ما زالوا يواصلون الحلم نحو تحقيق دور عالمي في لعبة كرة القدم.
لم يكن قصر القامة عيباً في يوم من الأيام، ما دامت الإرادة متوافرة والعقل مبدع، “سر قوتهم هي لمتهم”… فبعد معاناة طويلة وصراع مع نظرات المجتمع والمحيطين بهم استطاعوا بإرادتهم أن يكسروا كل الحواجز والقيود التي منعتهم عن تحقيق أحلامهم والنجاح، فلكل منهم موهبة مختلفة ميزته عن غيره ولكن مواهبهم المتعددة كونت منهم فريق كله شغف وإرادة…