إنهاء الهيمنة الإيرانية.. مفتاح عودة لبنان إلى العرب

مارس 8, 2025

A-

A+

شكّلت زيارة الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى المملكة العربية السعودية ولقاؤه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان محطةً مفصلية في إعادة رسم العلاقات اللبنانية-العربية، خصوصًا مع السعودية ودول الخليج. جاءت هذه الزيارة في وقت حرج يسعى فيه لبنان إلى إصلاح علاقاته العربية، بعد أن دمرتها سياسات عهد ميشال عون، الذي سمح لـحزب الله بالهيمنة على القرار السياسي اللبناني، مما أدى إلى عزلة لبنان عربيًا وتراجع دعمه الاقتصادي والسياسي والعسكري.

في خطابه خلال القمة العربية، شدد الرئيس عون على التزام لبنان بهويته العربية ورفضه أن يكون ساحة لصراعات إقليمية تخدم أجندات خارجية. وأكد أن لبنان، رغم الأزمات التي عصفت به، لا يزال جزءًا أصيلًا من العالم العربي، ويرفض أي مساعٍ لجعله أداة لمشاريع توسعية على حساب استقراره وسيادته. جاءت كلماته رسالة واضحة لمحاولة فصل لبنان عن سياسات حزب الله التي أضرت بعلاقاته مع دول الخليج. كما أشار إلى أهمية بناء علاقات تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بعيدًا عن التبعية المطلقة لمحاور إقليمية لا تخدم استقرار البلاد.

لا يمكن الحديث عن تدهور العلاقات اللبنانية-العربية دون الإشارة إلى حزب الله، الذي لم يكن مجرد فصيل سياسي محلي، بل امتدادًا للنفوذ الإيراني في المنطقة. انخرط الحزب في حروب خارجية في اليمن وسوريا، وهاجم دول الخليج علنًا عبر تصريحات أمينه العام حسن نصر الله، الذي لم يتوانَ عن توجيه الإهانات إلى السعودية والإمارات واتهامهما بالإرهاب والتآمر. هذه المواقف العدائية كانت السبب الرئيسي في تدهور علاقات لبنان مع الخليج، وأدت إلى سحب السفراء ووقف المساعدات الاقتصادية. إضافةً إلى ذلك، فإن الحزب لم يكتفِ بالتصعيد السياسي والإعلامي، بل لعب دورًا في تهريب الأسلحة والمخدرات إلى دول الخليج، ما فاقم التوترات وجعل من الصعب إعادة بناء الثقة بين لبنان والدول العربية.

على الرغم من محاولات الرئيس عون تصحيح مسار العلاقات، فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري، الحليف التقليدي لحزب الله، استمر في الدفاع عن سلاح الحزب تحت غطاء “المقاومة”. بري، الذي لطالما كان جزءًا من معادلة التحالفات الداخلية التي تكرّس هيمنة حزب الله، رفض ربط أي مساعدات للبنان بشروط تتعلق بنزع سلاح الحزب. وقد جاءت تصريحاته المتكررة حول ضرورة الحفاظ على قوة الحزب بمثابة تحدٍّ مباشر لمطالب الدول الخليجية، التي ترى في استمرار نفوذ الحزب تهديدًا لأمنها واستقرارها. ورغم حديثه عن إعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي، فإن موقفه لم يكن متناسقًا مع التوجه اللبناني الجديد نحو استعادة الدعم العربي. فبدلًا من تبني نهج معتدل يسهم في تخفيف التوترات، أصر بري على خطاب يرسّخ عزلة لبنان ويزيد من تأزّم أوضاعه الاقتصادية والسياسية.

تأتي زيارة الرئيس جوزاف عون إلى السعودية كخطوة أولى نحو إعادة لبنان إلى الحضن العربي، بعد سنوات من العزلة. في حين يسعى عون إلى ترميم العلاقات وإعادة المساعدات الخليجية، لا يزال التحدي الأكبر هو التخلص من سلاح الميليشيات في الداخل اللبناني. فهل سينجح لبنان في فك ارتباطه بسياسات المحاور واستعادة ثقة الدول العربية، أم أن قوى الداخل المرتبطة بإيران ستستمر في عرقلة أي انفتاح حقيقي نحو الخارج؟