ليس من باب نكء الجراح بل من باب استخلاص العبر

يناير 22, 2025

A-

A+

شارفت مهلة الستين يومًا على الانتهاء. بين الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار وعمليات النّسف والتحركات الإسرائيلية جنوبًا من جهة، وبين ضبابية المشهد حول مرحلة ما بعد الستين يومًا من جهة أخرى، كثرت الأقوال والتحليلات، وضاع اللبنانيون بين خطاب النصر وخطاب الهزيمة. أما الخطاب الذي يمكن التأكيد عليه، فهو خطاب الخسارة.

فقد البعض منازلهم، وآخرون أحبّاءهم، فيما خسر غيرهم أعمالهم وأرزاقهم. ولائحة الخسارات تطول.

كانت واحدة من أكثر الحروب دمارًا وفتكًا، أعادت لبنان عشرات السنين إلى الوراء.

صحيح أن حزب الله صمد وقاوم باللحم الحي، ودافع عن لبنان والجنوب بشراسة، بإمكانيات خجولة مقارنة بالتفوق العسكري والبشري والتكنولوجي الإسرائيلي. وصحيح أن نظرية النية الإسرائيلية في شن هجوم على لبنان، بغض النظر عن حرب الإسناد، قد تكون واقعية ومنطقية. إلا أنّه مما لا شكّ فيه، أن الإخفاقات وقصر النظر والإفراط في الشعور بالقوة، ساهموا في تدحرج الأمور دراماتيكيًا وأودوا بنا إلى ما وصلنا إليه.

من هنا، نستذكر بعض المواقف والمحطات التي، برأينا، أخفق حزب الله في التعامل معها، أو على الأقل كان بإمكانه مقاربتها بطريقة أفضل.

وما نؤكده ونشدد عليه، كما جاء في عنوان المقال، أنّ غاية هذه الأسطر القليلة “ليست نكء الجراح، بل استخلاص العبر”.

أخطأ حزب الله في أيار 2008، عندما اجتاح مناطق لبنانية وأرهب اللبنانيين بقوة السلاح.

أخطأ حزب الله، حين أقحم لبنان بصراع المحاور وزجّ بنفسه في الحروب الإقليمية، من سوريا إلى اليمن فالعراق، متجاهلًا الدولة واللبنانيين.

أخطأ حزب الله، حين تبنى خطابًا تصعيديًا ضد السعوديين والخليجيين، وأضرّ بمصالح اللبنانيين في الداخل والخارج.

أخطأ حزب الله، حين خوّن اللبنانيين الذين ثاروا على السلطة السياسية الفاسدة سنة 2019.

كما أخطأ حين أوهمهم بأن لبنان قادر على التوجه شرقًا والاكتفاء الذاتي.

أخطأ حزب الله، عندما جعل من منطق الفرض وفائض القوة أسلوبًا معتمدًا لتحقيق مآربه.

أخطأ حزب الله، حين تكتم على أسباب تفجير المرفأ، كما أخطأ حين ساهم في التفرقة بين أهالي الضحايا وشرذمهم، لتضييع القضية وتمييعها.

أخطأ حزب الله، حين حوّل مرافق الدولة إلى أوكار للفساد والتهريب والاقتصاد الرديف.

أخطأ حزب الله، عندما حاول محاربة الفساد والفاسدين على قاعدة “داوني بالتي كانت هي الداء”.

أخطأ حزب الله، حين “وحّد الساحات”، وتخطى الدولة في قرار الحرب والسلم، وأشعل “حرب الإسناد”.

أخطأ حزب الله، حين هدّد قبرص.

أخطأ حزب الله، حين رفض فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة.

أخطأ حزب الله، حين زجّ باللبنانيين في الحرب دون التحضير لها.

هي مرحلة صعبة عانى منها اللبنانيون على مدى أكثر من 15 عامًا.

أما اليوم، ومع بدء تبدّل المشهد، وبعد أن بدأت روح الإيجابية والتغيير تبعث على الأمل، وبعد كل الحروب والجراح والمآسي والدمار، وبعدما أنهكت لبنان الظروف، نقول: “لا تعيدوا الكرّة مرة أخرى. لا تضيّعوا الحسابات من جديد”.

لبنان تنتظره مرحلة جديدة، مرحلة لطالما حلم بها اللبنانيون. ما حصل قد حصل، والمهم اليوم أن نقلب الصفحة وأن نعمل للأفضل، والأهم أن نتعلّم مما حصل!

لبنان لديه فرصة متاحة لتصويب الأمور وإعادة ترميم ما تهدّم. فاستخلصوا العبر ولا ترتكبوا الأخطاء نفسها بحق لبنان واللبنانيين.