العدل للبنان قبل لقمان
فبراير 3, 2024
A-
A+
“صفر خوف” عبارة الشهيد لقمان سليم الشهيرة التي ترددت في السنوات الأخيرة على لسانِ كلّ حرّ، كلّ ذي حقّ، وكلّ شريف، “صفر خوف” ليست تغريدةً نعيد نشرها، ولا ترند يختفي بعد فترة، ولا عبارةً تنقضي بعد سنوات، إنها الحقيقة الرّاسخة والقاعدة الأزليّة والمبدأ الوحيد الذي لم ولن يتخلّى عنه اللبنانيّ الحرّ، “لقمان سليم” كان وعبارته وواقعه وكتاباته، واقعاً يصعب تجاوزه، وتحدياً كبيراً وعائقاً صعباً وعنيداً أمام سلطة الجهل والتّخلّف.
دفع حياته منذ ثلاث سنوات ثمناً باهظاً لكلماته، ومن يسأل عن ثمن الكلمات نقول له الدّم، الدّم هو وحده من يشبع الكلمة، وبه تُكتب.
ولعلّ ثمن الكلمة كثمن الحرية، باهظ، ليس كثمن العبودية، الفرق الوحيد بينهما أنك في الحالة الأولى تسدد الثمن بلّذة، بابتسامة، وبشرف، وفي الثّانية تسددها بذلّ.
لقمان لم يعرف أن يكون عبداً، ولعلّ هذا هو ذنبه الوحيد أنه كان حراً في واقعٍ لا يتحمّل رؤية الأجنحة، في واقعٍ قبل أن يغتال سليم، اغتال الحريريّ، ومن بعد سليم اغتال لبنان وفجّره بمن فيه، سليم ومن معه ومن بقي بعده يرفضون الطّاعة ثمناً للحياة، ولعلّهم برفضهم هذا، جعلونا في أهبة الاستعداد، لمواجهة الطغيان، الظلم، والموت.
تركوا من بعدهم أجيالاً تحارب لأجل الحريّة، رغم اسوداد الطريق، وسوء المنظر.
ترك لنا لقمان قضيةً ما زالت في “الجّارور” عمداً أو من دون عمد، في وطنٍ تأخذ به السّلطة القضائية فترة راحة، أو عطلةً موسميّة إذا صحّ التّعبير.
في وطنٍ اغتيل فيه المثقّف، والحرّ، والنّزيه، والشّريف، والعامل، ونهب منه حقّ الأستاذ، وتلميذه.
ومن اغتال سليم اغتال كلّ مرافق الدولة، فهو حارس الحدود، والمياه، والكهرباء، والصّحة، والأمن، والتّعليم والإعلام.
من اغتال سليم أفزع الصحافة وقمعها، وأرعب النّاس وهددها، وفتح الحدود وشرّعها، وسرق الدولة ونهبها، وأخذ المؤسسات وتحكّم بها كما يحلو له ويريد.
من قتل سليم، ظنّ أنه تخلّص منه، لكنه لم يعلم أنه في كلّ واحدٍ منّا، مئة سليم، ومئة حريري، ومئة بشير، ومئة تويني، من اغتال سليم ظنّ أنه أسكت قلماً، لكنه لا يعلم أنّ المئات الذين جاؤوا من بعدهم وليدو الحبر، وفي جعبة كلّ واحدٍ منهم ألف قلم، ومليون كلمة.
لقمان سليم واحد، إنسان، كان له أن يموت، سواءً على أيديهم أو على أيدٍ أخرى، لكنّ لبنان الذي يحاولون اغتياله حتّى اليوم وأمام الملأ ما زال يحتضر، في أحضاننا الملطّخة بدم الشّهداء والأحرار، لبنان رهينة التخلّف والجّهل وثقافة الموت يحتضر وينظر لأعيننا بألم، ويسأل “من هم هؤلاء الغرباء؟ وماذا يريدون منّا؟”
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي