لين طالب ليست الوحيدة… آلاف الأطفال في لبنان معرّضون للخطر

يوليو 14, 2023

A-

A+

ويلٌ لأمّة تفرّط في أجيالها ومستقبلهم، وتعرّضهم للخطر وللموت يومياً. كانت لين طالب تبلغ من العمر ست سنوات فقط عندما قام شخص من العائلة لا يمكن وصفه الا بالحقير البارد الخالي من المشاعر بالاعتداء عليها، محولاً طفولتها الوردية الدافئة الى مكان مظلم مؤلم قارس البرودة. أحلام فتاة صغيرة استبدلت فجأة بكوابيس كانت سترافقها، بسريّة تامّة، لمدى الحياة. لكنّ وحشية الفعل والفاعل المتكرّرة لم تترك حتى مجالاً لذلك، فلم تكتفي بسرقة براءة الطفولة بل سرقت أيضاَ حياتها ومستقبلها. فارقت الطفلة الحياة قبل أن تعيشها. من الطبيعي، بعد وفاتها ضجت مواقع التواصل الاجتماعي وعمّ الغضب على الصعيد المحلّي مطالبين بالعدالة للين طالب مستحوذة قضيّتها الرأي العام. ولكن، ماذا عن الآخرين؟ فمع الأسف، الطفلة لين طالب ليست الوحيدة.

فلم يكن قد مرّ أسبوع على وفاة هذه الطفلة حتى مرّت طفلتان أخرتان في نفس التجربة المفجعة بلا حسيب ولا رقيب. ابنتا الـ8 والـ13 سنة كانتا تتنقلان كأي يوم آخر، فلم يكن ذنبهما الّا أنهما اتجهتا في هذا النهار لشراء “كارت تشريج” هاتف في شتورة بواسطة التوك توك، وأثناء محاولتهما الانتقال من بلدة مجدل عنجر الى تعنايل، منطقتين تفصلهما حوالي خمسة عشرة دقيقة فقط، حتى اعتبر السائق أنّه يمكنه أن يرمي ابنة الـ8 سنوات في سهل تعنايل وفرض نفسه القذرة على ابنة الـ13 سنة واغتصابها. خمسة عشرة دقيقة فقط كانت كافية لتحويل طفولتهما الى جحيم. انتهت الحادثة وعادتا الفتاتين لتخبرا بما حدث لتصبح القضية في أيدي القوى الأمنية التي لا تزال حتى الساعة تبحث عن المعتدي. انتهت الحادثة ولم ينتهي الألم، فتبقى الطفلتين مع الألم النفسي والجسدي الذي سيرافقهما يومياً بكلّ كلمة، وبكل لمسة، كلّما أغمضتا عيناهما الصغيرتين وكلّما مرّتا من جانب سهلٍ كان من المفترض أن يكون حاضناً لطفولتهما، مكاناُ للعب والمرح.

أطفال لبنان بخطر، وليس فقط من ناحية الاعتداءات الجنسية التي لا تنفك أن تتكرر يوماً بعد يوم. فأمس تم التداول على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يتضمن تعرض اطفال للضرب والتعنيف داخل حضانة، مكان من المفترض أن يكون آمناً. مكان يحتوي على مختصّين بالتعامل مع الأطفال، مختصّين بالرعاية وبالحفاظ على صحة الأطفال النفسية والجسدية. فإذا هؤلاء الأشخاص المؤمّنين على أطفالنا يجبرون طفلاً على ابتلاع وجبة حتى الاختناق، ومن ثم تعنيفه جسدياً بضربه اذا عبر عن عدم رغبته بتناول الطعام، فما بالنا بالآخرين الذين ليس لديهم المعرفة والخبرة الكافية؟ الحضانة أقفلت بالشمع الأحمر وغرّمت، ويجري ملاحقة المربية التي ظهرت في الفيديو المتداول ولكن كيف نستعيد الثقة؟ فإذا كانت المراقبة غير كافية وغير فعّالة كالسابق بسبب الوضع المالي الذي يمرّ به البلد، فما يهدّي بعد اليوم قلب أب أو أم اضطرا لترك أطفالهم بين يدين، وعِدوا بأنها أمينة وآمنة، بسبب الأوضاع المعيشية التي فرضت عليهم العمل سوياً ليلاً ونهاراً لتأمين أبسط مقومات الحياة لهم ولأطفالهم؟

أطفالنا بخطر إذ لفت تقرير صدر عن اليونيسف عام 2021 إلى أن طفلا من بين كلّ طفلين في لبنان معرّض لخطر العنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي. الآلاف من أطفال لبنان معرّضين لشتى أنواع العنف يومياً، من الاغتصاب للاستغلال للضرب والعنف اللفظي حتى الخطف وعمالة الأطفال. نعم، لنبحث عن العدالة للأطفال التي دوّت قصصهم في الشوارع، ولكن لنطلب أيضاً العدالة للأطفال التي لا تزال تعاني وراء أبوابٍ مغلقة بسرية وخوف وهمومٍ تثقل كاهلها اليومي.

 فلنستفيق الآن ولنحتضن ونحمي أطفالنا من مآسٍ الحياة ولنعمل على تأمين حياة أقلّه لا يقلقون فيها من التنقّل في الشوارع واللعب بحريّة. فالتراجع الدراماتيكي في مستوى العيش في لبنان والفقر المتعدد الأبعاد الذي يحيط بنا قد فرض على أطفالنا بتفويت وجبة في بعض الأحيان، هذا عنف، أو بعدم طلب بعض الحاجيات مراعين ظروف أهاليهم ووضعهم المعيشي الشبه مأساوي لدى عدد من العائلات، هذا أيضاً عنف. اضطر البعض للعمل للمساعدة في مصروف البيت، واضطر البعض الآخر لترك الدراسة، هذا عنف أكبر. الوضع المتأزم في البلد مصيره مجهول، فهل سنبقى على هذه الحالة؟ هل سنفرض على أطفالنا العيش بتوتر وخوف مستمرّين؟ إذا لم نستطع حماية وضعنا الإجتماعي فلنحاول على الأقلّ حماية مصير أجيالنا. لنتوقف عن إهمالهم واستغلالهم وتركهم للوحوش المستعدّة أن تنهش في لحمهم متى أتت الفرصة.

لنسعى أن نبقي أطفالنا أطفالاً لا يعلمون بمشاكل الحياة ولا يحملون هموماً ليسوا من المفترض العيش معها. لنعلّمهم اللعب والضحك والمرح والأمان. لنحافظ على براءتهم ونترك هموم العمل ومشاكل الحياة بعيداً عنهم. أطفالنا هم مستقبلنا. لنقم بحماية مستقبل بلدنا من الدمار الشامل وتبعات قراراتنا الجاهلة الهمجية المتسرّعة، لنستمع اليهم ولنعلّمهم ونوعيهم على حقوقهم وعلى عدم الخوف من الصراخ بأعلى صوت عند انتهاكها. لنعمل جاهداً على تأمين محيط آمن لأطفالنا يمكّننا من وضع أيدينا بيدهم، يمكّننا من أن نهمس لهم بكلّ ثقة بأن يفرحوا وبلعبوا ويكوّنوا صداقات، ليركضوا ويقعوا ليعودوا للركض من جديد لأنّ كلّ شيء سيكون على ما يرام. فبراءتهم بأيدينا، لا يجب أن نسمح  بهدرها، ومستقبلنا بأيديهم، لنحافظ عليه.