صنع في لبنان.. تغيير مصدر المنشأ للقدرة على التصدير
مايو 14, 2024
A-
A+
منذ عقود، كانت منتجات لبنان محط فخر لأبنائها وللعالم أجمع. كانت هذه المنتجات، سواء غذائية أو صناعية، تحمل شعار “بتحب لبنان حب صناعته”، وكانت تعكس جودة وتنوعًا يتميز بهما الاقتصاد اللبناني. لكن، مع مرور الوقت، شهد لبنان تحولًا مؤلمًا في صورته الاقتصادية والسياسية. تلاحقت الأزمات وتفاقمت حتى وصلت البلاد إلى وضع مأساوي وتباينت الصورة بشكل كبير بين الماضي الزاهي والحاضر المظلم، بينما تحول الفخر بالمنتجات اللبنانية إلى خجل مرير.
في الوقت الذي كان فيه لبنان يستفيد من سمعته العالمية كمصدّر لمنتجات عالية الجودة، بدأت تنتشر قصص التهريب والفساد التي ألقت بظلالها السوداء على هذه الصورة. خصوصًا بعد قرار المملكة العربية السعودية بوقف استيراد المنتجات الزراعية من لبنان أو حتى مرورها عبر أراضيها منذ ما يقارب الثلاث سنوات، على خلفية ضبط كميات ضخمة من المخدرات في شحنة رمّان مستورد من لبنان. هذا التحول المؤلم عكس الواقع القاسي الذي يعيشه لبنان، وتغيرت الصورة الوطنية من دولة تاريخية وثقافية غنية إلى واحدة تتخبط في مستنقع الفساد والتهميش الاقتصادي وتعاني من انهيار العملة الوطنية هو الأشدّ منذ الحرب الأهلية.
مثّلت صادرات الخضار والفواكه على مدى طويل بالنسبة لقطاع كبير من سكانه طوق نجاة، فـ٧٠٪ من المنتجات تُصدّر إلى دول الخليج. وحسب الإحصاءات الجمركية كان يُصدّر لبنان ما يقارب ٣٥٠ ألف طن من المواد الغذائية والزراعية ومردودها يُقدّر بـ١٥٠ مليون دولار سنويًا. هذه الأزمة في تصدير المنتجات أدّت إلى فقدان أسواق مهمة وتضرر قطاعات عديدة مثل الزراعة والصناعة. بالإضافة إلى ذلك، تفاقمت أزمة البطالة وتدهورت العلاقات الدبلوماسية بين لبنان والبلاد المجاورة، ودول الخليج خصوصًا، مما أضعف الاقتصاد الوطني بفقدانه مردودًا كبيرًا وأثّر ذلك سلبًا على معيشة السكان. إن هذه التحديات التي تواجه المزارعين تؤدي إلى إتلاف كمية كبيرة من المنتجات لصعوبة حفظها أو تبريدها مما يتطلب حلولًا فعالة من أجل تفادي تداعيات هذا الوضع الصعب.
ومع غياب الدولة، يزيد هذا من حدة التحديات الاقتصادية وصعوبة تحقيق الاستقرار وإيجاد حلول مستدامة. فقام مؤخرًا التجار بمحاولة إيجاد حلولٍ على قدر الحال مثل تغيير مصدر المحاصيل من لبنان إلى دول أخرى، نظرًا لصعوبة تصدير المنتجات اللبنانية بسبب العوائق المفروضة والتي لا مهرب منها. حيثُ أن القرار السعودي كان مشروطًا بأنّ “الحظر سيستمر إلى حين تقديم السلطات اللبنانية المعنيّة ضمانات كافية وموثوقة بشأن إجراءات وقف عمليات تهريب المخدرات للأراضي السعودية”.
ولكن أين الدولة من ذلك؟ إلى اليوم وهذا القرار جارٍ والدولة اللبنانية في غيبوبة عمّا يُمكن القيام به على الأقلّ لتحسين قطاعٍ كهذا ذو مردود هائل لربما بقدرته أن ينقذ البلاد إذا ما تم الاهتمام به وحمايته ومحاولة تطويره إلى الأفضل لكي ينقذ فئة كبيرة من السكان ويعيد العلاقات الجيّدة مع المحيط. علمًا أنّ المنتوجات اللبنانية مطابقة تمامًا لمعايير الجودة وشروط التصدير إلّا أنّها تتكدس في البلد المنشأ أو أنّ تصديرها يُكلّف اليوم المزارعين خسارات ما يقارب المليوني دولار يوميًّا بسبب دفع رسوم عبور الشاحنات والضرائب الرسمية برًّا عبر سوريا، ودفع رسوم عديدة أخرى بسبب تغيير مسار هذه البضاعة.
كما أنّ الحرب على غزّة أثرت سلبًا على حركة الملاحة عبر البحر الأحمر فقد قلّ عدد البواخر القادرة على الوصول وتاريخ وصولها غير معروف مما سبب فوضى عارمة بالنسبة للتصدير عبر البحر الأحمر. زد على ذلك، أنّ السوق الزراعية في لبنان لا تشكّل مصدر دخل كبير للمزارع لأنّ الاستيراد للمنتجات الزراعية ما زال قائمًا من سوريا ومصر، فأصبح المصدر الأوّل للبطاطا مثلًا هو مصر بينما يفسد المحصول اللبناني بسبب عدم تصريفه.
لماذا يدفعُ ثمن أخطاء الفساد، المواطن الضعيف الكادح، الذي لا يفتأ يجد مخرجًا من أزمة حتى يرتطم بحائطٍ آخر.
عندما يُعتبر القطاع الزراعي كما الصناعي٬ ركيزة أساسية للاقتصاد في بلد فاسد تحكمه جماعات على حسب مصالحها تدير البلاد بكل حرية دون رادعٍ أو رقيب. يجد المزارع اللبناني نفسه في مأزق محير، لتحقيق دخل مستقر. بجهودهم الحثيثة، يسعون لاستكشاف طرق جديدة للتصدير، سواء من خلال تغيير موقع الإنتاج أو البحث عن أسواق جديدة في بلدان أخرى.
ورغم التحديات الكبيرة، اعتاد المواطن اللبناني أن يجد الحلول دائمًا بنفسه وأن يكون مرِنًا في محاولات بائسة أو ناجحة كي يخرج من مأزقٍ دون اللجوء إلى الدولة العاجزة، إلى أسس سياسية غير قادرة حتى اليوم أن تقوم بأي خطوة لتأمين العيش الكريم لسكان لا يتجاوز عددهم الخمسة ملايين نسمة. ماذا ينتظر اليوم المزارع اللبناني من سياسيين يلجؤون إلى المغتربين لتأمين مدخول إضافي للدولة لربما سيذهب مردودها مباشرة إلى جيوبهم الخاصة كما اعتادوا.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي