القاعد بـ10 قروش والواقف بـ5 قروش: عن سكة الحديد والترامواي في لبنان

مارس 20, 2024

A-

A+

هنا بيروت، ساحة البرج، أصوات من كل صوب: لحن اغنية، صوت بائع جوال، صرخة طفل… مشهد ينقصه فقط “سكة حديد وترامواي”.

تفضلوا معي في رحلة الى زمن جميل، جيل اليوم لم يعشه، تفضلوا الى “نوستالجيا” أيام بسيطة، فيها “القاعد بـ10 قروش والواقف بـ5”.

أبو الفقير

شكّل الترامواي حالة اجتماعية فريدة من نوعها: هو الحدث الراكز بالذاكرة الشعبية، اذ لقّب بـ”ابو الفقير” نظراً لاستفادة الطبقات الاجتماعية الاكثر فقراً منه. فكيف بدأت الحكاية؟

على طول خط الترامواي نشأت المدينة وتطورت

“الترام” او “الترلمواي” وسكة الحديد، وسيلة نقل نشأت سنة 1908 في زمن العثمانيين، رابطةً أحياء المدينة ببعضها، جاعلةً من فرن الشباك حدَ بين ما كان يسمى بـ”ولاية بيروت” و”متصرفية جبل لبنان”.

يومها لم تكن الكهرباء متوفرة…  

تماماً مثل اليوم، الّا أن قرار انشاء الترامواي ترافق مع شرط فرضته الشركة البلجيكية المشغلة له بتأمين الكهرباء على المدينة “وما تنقطع عنه الكهرباء ابداً”… يمكن القول ان لـ”الترام” الفضل على كهرباء بيروت ولبنان.

محطتي “النويري” و”غراهام”

من اين اتت تسمية محطة “النويري”؟ القصة مرتبطة برجل كان يدعى “عبد القادر النويري” اشتهر انه “قبضاي” اذ كان يحضر عند الاعتداء على الترامواي او “الفواغين” وتكريماً له اسميت المحطة “النويري” وهي لا تزال حتى اليوم.

اما محطة “غراهام” فقصتها مختلفة: يحكى عن طبيب في الجامعة الاميركية في بيروت، اسمه د. غراهام كانت عيادته قريبة من مكان توقف “الترامواي” في احدى محطاته، عمد الطبيب انذاك برشوة المعاونين العاملين في الترامواي كي يصرخوا” محطة غراهام” لدى وصولهم الى تلك المحطة، كوسيلة دعائية تسويقية لعمله.

بُعدٌ اجتماعي ترافق مع الترامواي

كان الترامواي وسيلة اختلاط وتلاقي في ساحة البرج، فجولة في الترامواي كانت كفيلة بترسيخ العلاقات بين اللبنانيين. قسِّم الترام الى قسمين: قسم للرجال وقسم اخر للنساء، وكانت كلفة التنقل الجالس “سيغندو” هي من قرش الى 5 قروش، فيما كانت ترتفع الى 10 قروش للجالس “بريمو” وكان الذي يقف يطلق على مكانه “تيرسو”.

لم يقتصر دور الترامواي فقط على تثبيت العلاقات الاجتماعية بين الناس، بل كان الخط الذي يسلكه مكان جذب للمؤسسات الرسمية، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات، بالاضافة الى العمران وتسهيل وصول البضائع وانشاء دور السينما والمقاهي، حتى ان الحكومة الفرنسية في وقت لاحق عيَنت لكل ترامواي طبيب ليعاين حالة الركاب…

ترامواي بيروت لم يكن مجرد وسيلة نقل، بل كان الدرس الاول في التربية المدنية في لبنان اذ انه نظم الناس واصبح لديهم ” تِرِم” تيمناً بـ”ترامواي”…ولا نزال حتى أيامنا هذه نستخدم هذا المصطلح للتعبير عن وصولنا بالتوقيت الصحيح. فعندما كان يصل “الترام” على المحطة “كان الناس يظبطوا ساعاتن”…

اعلانات متنقلة…

كما شكلّ الترامواي وسيلة دعائية متنقلة: اذ كان للاعلانات مساحة على جوانب “الترام” وكان الناس يتأثرون بها… كتابة الشتائم ايضاً كان لها اثر، على اثر الثورة في لبنان عام 1958 لدى مروره بين المناطق، كان اللبنانيون يتبادلون الشتائم خصوصاً بين منطقتي الاشرفية والبسطا.

كما كل شيء جديد، اطلقوا على الترام مع وصوله الى لبنان “الدولاب الشيطان” كونه وسيلة نقل جديدة غير مألوفة، تتنقل عبر دولاب.

محطات متعبة مر بها الترام، ففي سنة 1954 رفعت الدولة قيمة تذكرة الدرجة الثانية من قرشين الى 5 قروش فتمت مقاطعته.

كتب الترام نهايته عام 1964، وتم الاستغناء عنه بغية “التطور”. فعمدوا على بيعه لدولة الصين واستبدل بما يسمى بـ”جحش الدولة” اليوم.

“رزقالله على ايامك يا ترامواي بيروت”، ليست مجرد عبارة تقال، انما “اغنية” غناها الراحل ابراهيم مرعشلي… لهذا الحد كان الاثر الذي تركه الترامواي كبير في حياة اللبنانيين حتى انه دخل الاعمال الفنية!

رحلتنا الى ذاك الزمن الجميل انتهت… نتمنى في رحلاتنا القادمة ان نمشي قدماً الى الامام عوض التحسر على ايام مر عليها 100 عام. وبالنهاية لا بد من القول “صح انه كل شي بيمشي جالس بهيدا البلد بيوقف!”.