أول مدينة شيّدت في الكون: تعرفوا على بعلبك مدينة الشمس والأساطير

مايو 3, 2023

A-

A+

تتخطى عظمة هياكل بعلبك ما رسخ في أذهان أجيال من العرب كانوا يرونها مرسومة بريشة بافل كوروليوف على أوراق العملة اللبنانية، حيث تنتصب أعمدة معبد جوبيتير الستة فوق صخور عملاقة، يظنّ البعض أنّها لم تنحت على أيدي البشر ويدرج آخرون ذلك في إطار الأساطير.

إنها مدينة الشمس بعلبك التي رويت حولها الأساطير، وتميزت بآثارها ومعابدها القديمة وهياكلها الضخمة التي لا نظير لها. مدينة عريقة ضاربة في عمق التاريخ، عرفت الحضارة منذ آلاف السنين، وتوالت عليها حقب وحضارات متنوعة، مما جعلها من أهم المدن السياحية والتاريخية في المشرق العربي.

وكثرت الأساطير عن الطريقة التي بنيت بها المدينة، وهذا يرجع لضخامة الأحجار التي استخدمت في بناء هياكلها، إذ يعتقد كثيرون أن بعلبك أول مدينة شيدت في الكون، ووفقا للرحالة بنجامين الطليطلي فقد “شيدها الشيطان أشموداي لقابيل بن آدم حين قتل أخاه، فقد أصابه وقتها الارتعاش، فشيدها له حتى لا يدركه الموت”، وأيد نظريته الأب هنري اليسوعي، وقال إن اسم أسموداي بالسين.

 

View this post on Instagram

 

A post shared by Naqd – نقد (@naqdmedia)

إلا أنّه قد يفاجئك أن تسمع رأي البروفيسور في الفيزياء والرياضيات، رائد الفضاء السوفياتي غيورغي ميخائيوفيتش غريتشكو، وهو عالم قضى أكثر من 134 يوماً في الفضاء الخارجي في خمس رحلات فضائية. حيث قال في لقاء صحفي في بيروت، في العام 2011، “هياكل بعلبك دليل على أنّ بناتها من خارج كوكب الأرض”.

قال: “قد لا يوجد دليل مباشر على أنّ قيام كائنات فضائية بزيارات لكوكبنا، لكن هناك الكثير من الأدلة غير المباشرة هنا. جئت إلى لبنان لزيارة معبد جوبيتير الذي يقف على منصّة لا يوجد أي رافعة حديثة يمكنها أن ترفع أحد أحجارها، تم رفع الأحجار العملاقة التي تزن آلاف الأطنان بعضها فوق بعض، بحيث لا يمكن إيلاج شفرة سكين بينها. كنت أعتقد أنه تعبير مجازي، لكني تحققت من ذلك بنفسي. حتى الآن لا توجد تقنية من هذا القبيل يمكنها معالجة وتثبيت هذه الكتل الضخمة بهذا الشكل”.

أَتَدْعُونَ بَـعْـلاً”.. مدينة النبي إلياس عليه السلام

تأتي تسمية المدينة وفقا لكثير من المؤرخين من كلمتي بعل وبك، وبعل هو إله الكنعانيين، وبك تعني مدينة، أي أنها “مدينة بعل”.

يقول المؤرخ الدكتور حسن نصر الله إن بعلا ورد ذكره في القرآن الكريم في سورة الصافات، عندما كان نبي الله إلياس يمنعهم من عبادته، وقال لهم بحسب النص القرآني: “أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ”.

مدينة الشمس.. عشرة آلاف سنة من التعمير البشري

في الفترة الواقعة ما بين القرن السابع عشر والتاسع عشر ظهر العديد من اللوحات التي رسمت فيها مدينة بعلبك، وكانت لها شهرة واسعة في أوروبا وخاصة بين الطبقات الأرستقراطية.

يرتكز اكتشاف التاريخ القديم على الآثار الباقية من أدوات وقواقع ونقوش وعملات وغيرها، ومن خلال الأحافير في هذه المدينة التاريخية تبين أنها أقدم بكثير من العهد الروماني. ويقول الدليل السياحي شربل صليبا إن معبد “هيليوبولس” أو إله الشمس يعود للفترة الإغريقية، وقد أطلق على بعلبك أيضا مدينة “هيليوبولس” أي مدينة الشمس.

وظهرت تحت المعبد بقايا لمعبد أقدم، وهناك أيضا بقايا للفترة الكنعانية وما قبلها، أي أن الآثار الموجودة تدل على أن المدينة سُكنت وعُمرت قبل 10 آلاف سنة، كما يرى المؤرخ الدكتور حسن نصر الله أن الآثار في مغائر بعلبك ترجع للعصر الذراني أي قبل 6 آلاف سنة، وهذه الآثار عبارة عن أدوات مثل المناشير والمكاشط والسكاكين.

بعلبك القديمة.. هدية “يوليوس قيصر” لابنته

بعلبك القديمة ضمن السور الذي يحيط بها هي مدينة زاخرة بالآثار والفسيفساء، ولا يوجد محطّ قدم فيها إلا وفيه آثار قديمة، ويرجع السبب في توالي الحضارات على بعلبك لموقعها الحيوي في طريق القوافل ولكثرة المياه والينابيع فيها وخصوبة أرضها.

كانت بعلبك في المرحلة الرومانية مستعمرة، وكان سكانها يتمتعون بحقوق السكان في روما وعليهم نفس الواجبات، وأعطي لهم الحق في بناء المعابد، وقد أهدى “يوليوس قيصر” المدينة لابنته “جوليا دومنا” وسُميت وقتها “هيليوبولس جوليا دومنا كولني”، وقد صكت عملة تحت هذا الاسم.

في ذلك الوقت قرروا بناء معبد فوق معبد إغريقي، واستخدموا مهندسين ونحاتين محليين، وكان النحاتون يستوحون تماثيلهم من صور عشيقاتهم وينحتونها بالصخر على شكل آلهة أو أنصاف آلهة، لذا فقد تنوعت تلك التماثيل ولم تشبه بعضها.

مدينة المعابد.. عجائب الزمان العابرة للحضارات

توجد في بعلبك ثلاثة معابد تعد من عجائب الزمن القديم، وهي معبد “جوبيتر” أو المعبد الكبير، وهو معبد ضخم يحوي بهوا سداسي الشكل بتأثيرات شرقية واضحة، لكن لم يبق من المعبد سوى ستة أعمدة كورنثية (نسبة إلى مدينة كورنث اليونانية)، وعلى الرغم من تأثرهم بالحضارة الرومانية فإنهم استطاعوا ابتكار طرق لقطع الحجارة الضخمة ونقلها، فقد استخدموا في معبد “جوبيتر” 24 حجرا عظيم الحجم يزن كل واحد منهم 400 طن، بالإضافة لثلاثة قطع من الحجارة العملاقة التي تزن 800 طن، وهي قطع ضخمة جدا، لكنهم استطاعوا نقلها.

أما المعبد الثاني فهو معبد “باخوس” وهو من أكثر المعابد التي بقيت آثارا إلى يومنا هذا، كما أنه أكبر حجما من “البارثينون” في أثينا.

والمعبد الأخير هو معبد “فينوس المستدير”، وهي كوكب الزهرة أو آلهة الحب والجمال، ويأتي تصميمه غاية في الروعة والتفرد، وعلى الرغم من ضخامته فإنه لا يساوي نصف البهو في معبد جوبتير.

فاتنة إمبراطور ألمانيا.. أروع ما ترك الإنسان القديم

أما شهادة بعض المؤرخين وعلماء الآثار عن آثار بعلبك فهي أنها “ليست الأكروبوليس في أثينا ولا الكولوسيوم في إيطاليا، بل هي أروع ما ترك الإنسان القديم على سطح الغبراء، ليس لهم من الروعة ما لهياكل بعلبك من روعة ولا أستثني أهرامات مصر”.

وفي عهد قسطنطين تمتعت المدينة بسلطات دينية، وقد حول المعبد إلى كنيسة، أما في العصر الإسلامي فقد تحولت المعابد إلى قلعة ومركز عسكري.

وقد رفع جنود المسلمين بعض الحجارة التي في وسط الحجارة الضخمة ليحفروا خندقا مائيا للدفاع عن القلعة، ورغم ضخامة تلك الحجارة فلا توجد بينها فراغات، حتى أن مياه الخندق لم تخترقها، وقد بنى المسلمون فيها سورا ضخما وحافظوا على العمارة الإسلامية وبنوا القناطر ومسجدا في الوسط بأعمدة مربعة الشكل، وتحوي المدينة على العديد من الآثار الإسلامية.

غيرت زيارة إمبراطور ألمانيا فيلهلم الثاني عام 1889 مجرى تاريخ بعلبك، فقد انبهر بجمالها وقرر ترميمها، وعند مجيئه أضيئت له عشرة آلاف فانوس في مرج رأس العين ونصبت له الخيام لعدة أيام، وعندما غادر المدينة أرسل بعثة ألمانية عام 1890 وقامت بالحفر والتنقيب مدة أربع سنوات، وقد أزالوا خلالها الرمال التي كانت بداخل المعابد واستخرجوا الكثير من الكنوز والتماثيل الذهبية والبرونزية والفضية، واستخدموا مئات العمال في ذلك.