عن كلمات معتز عزايزة وخطاب التخوين الخشبي!
مارس 25, 2024
A-
A+
وقف معتز عزايزة مرةً في فجر هذا الزمان الرديء على الحافة الفاصلة بين الحياة والموت، معرّضًا حياته الشابّة للخطر، موثقًا الجرائم الإسرائيلية بحقّ شعبه وأهله في قطاع غزة.
هو المصور الفلسطيني الذي غزا الشيب رأسه قبل انتصاف عمره. يحمل كاميرته منذ صباح الله إلى مسائه موثقًا – لمائة يوم ونيّف – حجم الدمار الذي ألحقه الطيران الإسرائيلي بالحجر والشجر والبشر.
خسر عزايزة جمعًا من أصدقائه ورفاق دربه، وربما من عائلته الضيقة فضلًا عن عائلته الغزاوية الكبرى. بكى وأبكى إذ يصوّر الأشلاء المقطّعة والأبنية المنسوفة عن بكرة أبيها ورائحة الدماء التي صارت تنبعث من آلة التصوير.
لكنّ هذا كلّه لم يشفع لعزايزة. لم تكفِ خساراته مجتمعة وجهده وعمله، ليستيقظ في أحد الأيامِ “عميلًا إسرائيليًا” مدفوع الأجر سيئ الخصال، يواجه حملة تحريضية وجمعًا موتورًا من المنظّرين!
كأنّي بعزايزة يتساءل في قرارة نفسه: كُلِّ دَه كان لِيه؟
معتز الجيد هو معتز الميت؟
لم تبدأ الحملة ضدّ عزايزة مؤخرًا، بل طالته ألسنة الانتقاد الحادّة منذ خروجه من القطاع ظهر الثالث والعشرين من يناير/ كانون الثاني، معلنًا انتهاء رحلة ميدانية كانت زاخرة بالألم، مؤكدًا “إكمال الرسالة” من خارج القطاع.
عَلت آنذاك الأصوات التي دانت خروج معتز من غزّة، معللة ذلك بضعف “الصمود” والتخلي عن المسؤولية، مع أنّ الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وقد بلغت سعة نفس معتز طاقتها الاستيعابية الكاملة. ولم تكن مِن استجابة لنداءاته في عواصم القرار حول العالم.
لعلّ البعض تمنّى أن يكون مصيره “الشهادة” حتّى يكون راضيًا عنه؟ لعلّ دماءه كانت ستمنحه وسامًا جماهيريًا رفيعًا؟ ربّما، لكنّ له الحقّ في أن يختار الحياة إذا ما استطاع إليها سبيلاً!
هو الذي نجا من كل أشكال الموت: جوعًا وقصفًا وقهرًا وكمدًا.. بأعجوبة!
لقاء الرئيس الفلسطيني جريمة موصوفة!
ليس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس هو الرجل المناسب في المكان المناسب، وهذا بات معروفًا لأسباب عديدة لا يتّسع المجال لذكرها. لكن أن يصبح لقاء معتز بالرئيس عباس جريمةً تعرّضه للمساءلة والمحاسبة الاجتماعية، فهذا لعمري من أعجب العجب!
انهالت الانتقادات والاتهامات على عزايزة بعد لقائه بعباس في إحدى العواصم العربية، وقد علَّل معتز هذا اللقاء بحاجة في نفسه إلى الانتماء لأي وطن فلسطيني، وعباس يمثل – بمنصبه لا بشخصه – هذا الوطن المنشود، فأين أخطأ الرجل؟
ثمّ من سلّم رواد الـ”سوشيل ميديا” ختم الانتماء وختم العمالة؟ وهل يصل الشرخ الفلسطيني بين الفصائل والحركات السياسية إلى درجة يغيب معها كل إنصاف، فيصير معتز بدموعه وجوعه وتعبه عميلًا لمجرد أنه التقى رئيس فتح المناهضة لحركة حماس ومؤيديها؟
قليل من الإنصاف والتروّي في إطلاق الأحكام، والدنيا بألف خير!
تغريدة عزايزة التي لم تُقرأ في سياقها
قبيل كلمات معتز التي ساق فيها جملة من اللعنات على من لا يبالي بدماء شعبه ويتاجر بمعاناتهم، والتي قال إنها كانت موجّهة ضد تجار الأزمات والذين نشطوا بكثرة خلال الحرب، يجد المتابع المنصف لعزايزة مجموعة من الآراء حول هذه الظاهرة.
لكنّ لقاء معتز برئيس السلطة الفلسطينية وبعض الهوى الشخصي لرئيس فتح الراحل ياسر عرفات خلط الأوراق في عقول بعض الناشطين الذين لا يألون جهدًا في إسقاط الأشخاص نتيجة لفهم قاصر وخاطئ للنوايا. ولو أنهم قرؤوا كلام معتز في سياق معيّن من المنشورات لما كان ما كان.
لكنه الاندفاع الأعمى وراء الأيديولوجيا الإقصائية، والتي ترى في كل ما هو مختلف أو خارج عن المألوف مرضًا عضالًا أو داءً أو وباءً وجب القضاء عليه بكل طريقة ممكنة، حتى لو كنا نتحدث عن إنسان له ما له من الفضائل والمكارم، وهو معتز نفسه الذي تغنّى به هؤلاء أول الحرب.
لغة التخوين واستهلاك الخطاب الخشبي
وحتى لو سلمنا جدلًا بأنّ معتز أحبط العزائم بنشره واقعًا مُعاشًا بمأساته الحقيقية دون “مثلثات حمراء” وبطولاتٍ وانتصارات. إن وافقنا على أن معتز فتحاوي الهوى حتى النخاع، ولو قلنا إنه لا يرى للحرب جدوى، فكيف يصير هذا طعنًا بمقاتلي حماس ودماء عناصرها؟
إنّ معتز، الذي خرج في مقطع فيديو حزينًا منكسرًا يبرر كلامه ويصوّب بوصلة الاتهامات التي طالته قائلًا إنه لم يقصد أي مقاوم أو مدافع عن الأرض، لهو أجدر بالاحترام من أولئك الذين – باسم المقاومة – يرمون الآخرين بالخيانة بأسلوب خشبي معلّب ومستهلك، لا يقبل نقاشًا ولا سؤالًا ولا رأيًا..
هونًا هونًا على معتز.. هو ابن غزة قبل كل شيء. صاحب الصوت الذي لا يموت، وناقل الرسالة التي لا تختلف عن حمل السلاح. هو ابن هذه الأرض التي حين تتحرر سيكون لزامًا على حاكميها أن يسمعوا أصواتًا مختلفة ومتنوعة، تتعدى أصوات الأصداء في كلامهم وخطاباتهم.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي