العداء بين الجارتين: لماذا رفض المغرب مساعدات الجزائر؟
سبتمبر 19, 2023
A-
A+
زلزال مدمر هزّ الكيان المغربي بخسائر فادحة بشرية ومادية، هبّت الدول أجمع لإرسال المساعدات على كافة الأصعدة للمساندة في هذه النكبة الغير امتوقعة. في بيان كشفت فيه وزارة الخارجية الجزائرية أن نظيرتها المغربية أبلغت القنصل الجزائري بالدار البيضاء أنها ليست بحاجة إلى المساعدات الإنسانية المقترحة من قِبل الجزائر. اختلفت وجهات النظر حول الموضوع والقرار المغربي المحسوم لم تُوضّح أسبابه، حيث رجّحت بعض المصادر أنّ الرفض ناتج فقط عن احتمالية الفوضى والفائض في المساعدات اللوجستية والجانب المغربي يملك القرار في تنسيق هذه المساعدات من جانبه حيث أنّه المتلقي، وأنّ هذا النوع من المساعدات قد تم قبوله مسبقًا من أربع دول. هنا لا بدّ من الإضاءة على الدور السيادي، الذي يعطي المغرب الحق في إثبات قدرتها على تحمّل الخسائر والقيام بالبلاد على قدر الإمكان في هذا النوع من الأزمات.
في حين أنّ الترجيح الأكبر الذي صدر في الإعلام هو لأسباب سياسية علمًا بالخلافات القائمة بين البلدين، وتبعًا للبيان الصادر عن الخارجية الجزائرية بأنّها تستخلص من قرار الرفض “النتائج البديهية”، على الرغم من أنّ العاهل المغربي في شهر حزيران الماضي قد صدر عنه كلامٌ حسنٌ عن العلاقات بين المغرب والجزائر وأنّ الأوّل لا ينوي التصعيد في الخلافات بين البلدين بل محاولة إيجاد الحلول.
لكن ما هو سبب الخلاف بين الجارتيْن؟
تاريخٌ مشترك يجمع ما بين المغرب والجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، تراث ثقافي متقارب وأطعمة متماثلة. على الرغم من ذلك إلّا أنّ العلاقات بينهما كالمدّ والجزر. نعود بالزمن إلى عام 1830 حين اجتاحت فرنسا الجزائر وعام 1912 المغرب. كان الاستعمار مختلفًا بين البلدين حيث كان الساحل الجزائري يُحكمُ فرنسيًا تبعًا لحكومة باريس مباشرة، أمّا في المغرب فقد ترك الفرنسيون النظام السياسي الملكي قائمًا وكان الوجود الفرنسي كحماية فقط بعد معاهدة فاس. دعمت الرباط، بعد الاستقلال عام 1956، الجبهة الوطنية لتحريرالجزائر الشقيقة من خلال تقديم العاهل دعمًا لوجستيًا وقواعد تدريب في الداخل المغربي حتى الاستقلال عام 1962.
اختلف كذلك بعد الاستقلال نظام الحكم بين البلدين حيث وصل إلى الحكم في الجزائر عسكريون كانوا يرون الحكم الملكي في المملكةالمغربية رجعيًا. عالميًّا، اختلفت الاتجاهات خلال الحرب الباردة، فمالت الجزائر نحو الكتلة الشيوعية والمملكة المغربية نحو الولايات المتحدةوالغرب. هنا حصل الخلاف على ترسيم الحدود وصولًا إلى التدخل المسلّح لحلّ الخلافات عام 1967 بعد عامين من بداية ولاية العاهل المغربي الحسن الثاني، فالاستعمار الفرنسي في البلدين كان السبب في عدم ترسيم الحدود بشكل واضح، وقد طالب المغرب باسترجاع منطقتي تندوف وبشار، واعتبرتهما الجزائر حقًّا طبيعيًا تبعًا للترسيم الحدودي الفرنسي.
عُرفت هذه المعارك بحرب الرمال بالقرب من اقليم تندوف وفجيج، وقد كان الجيش المغربي أكثر جهوزية، حيث أن نظيره الجزائري كان قد خرج حديثًا من الحرب ضد فرنسا. انتهت النزاعات بتدخّل من جامعة الدول العربية، وبقي الوضع الحدودي على حاله. الاستعمار الاسباني في ذلك الوقت كان مسيطرًا في بعض المناطق الجنوبية في المملكة المغربية، انطلقت المسيرة الخضراء السلمية للمطالبة باسترجاع الأراضي المغربية الصحراوية المغتصبة أطلقها الملك الحسن الثاني أنذاك شارك فيها 350 ألف مغربي ومغربية التي ما زالت نموذجًا حتى يومنا هذا في العالم العربي.
بعد انتهاء الاستعمار الأسباني (اتفاقية مدريد) أعطى هذا الأخير المغربَ حق السيطرة على شمال ووسط المنطقة في الصحراء الغربية وكانت موريتانيا الحاكمة للمنطقة الجنوبية (الساقية الحمراء ووادي الذهب). في عام 1976 أعلنت جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بدعم من الجزائر واستمرت النزاعات المسلحة حتى اتفاق وقف اطلاق النار عام 1991، وبعد ثلاثة أعوام استهدف مسلحون فندقًا في مراكش واتهمت المملكة المغربية المخابرات الجزائرية، ما أدّى إلى إغلاق الحدود من جهة الجزائر الذي ما زال حتى اليوم قائمًا.
أثّر هذا القرار على البلدين حتى على الأجيال المولودة بعد إغلاق الحدود، وتستمر الشبه معاداة حتى اليوم على الصعيد الاجتماعي والفني وغيرها، تتوارثها الأجيال بسبب قرارات سياسية على الرغم من التقارب الكبير بين ثقافات البلدين وبعد اعتبارهما شقيقتين لوقت طويل من الزمن. هل يعود اليوم ليجمع الشعبيْن، تاريخهم وثقافتهم ولغتهم الشبه مشتركة؟
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي