ما بين الأطلس والصحراء… أسودٌ تحلم بالكأس

ديسمبر 6, 2022

A-

A+

انتشرت في الفترة الأخيرة صور كثيرة للاعبي الفريق المغربي مع أمهاتهم وسجود اللاعبين في الملعب، غير ذلك فإنّ الدم الأفريقي قد فاز فوزًا ساحقًا على منتخبات خطيرة على أصداح الجمهور المغربي الكبير. 

هذا هو المغرب، البهجة الممزوجة بقِيَم الإسلام والعائلة، هي القوة والوفاء للوطن. السرور الذي يجمع المغاربة المغتربين أينما كانوا يهللون ويضحكون مهما كانت الظروف، على الأقل الذين التقيت بهم في كندا. يتباهون بالملك والنظام الذي يعيشون بالنسبة للمغرب العربي الكبير، لا يُمكن أن تناقش مغربيًا بالسياسة أو النظام فالملك والوطن لهم واحد بعد الله. ” حنا الملك ديالنا نبوسو ليه رجليه جايب لينا العز.” تقول احدى الصديقات بفخر لتعبّر عن تقديرها للحياة الهنيئة التي أتاح الملك. 

ينحدر الشعب المغربي من مجموعة كبيرة من البربر، الأمازيغ أو الشلوح، وإذا دخلت في الدار البيضاء التي تعجّ بالسكان تجد خليطًا متنوّعًا من كل المناطق، هناك الفرح والانفتاح، التقاليد، الماكلة(الطعام)، الأتاي(الشاي)، قِيَم الإسلام، اللغات المختلفة من الدارجة والأمازيغية إلى الفرنسية والانكليزية ثم الإسبانية المنتشرة اجمالًا في الشمال. هي مدينة تضجّ بالسيارات والبشر ويشهدون الدنيا أنهّم يحيون بشعار الله الوطن الملك، أمير المؤمنين، هذا المقام الذي يحترم المغاربة بشكل لربما غير مألوف في العالم العربي، يقول أحدهم:” لا يكره أحدٌ الملك إلّا من اصطنع الفقر فجلس وانتظر أن يعطيه الملك كل يوم طرف خبز”. حقًّا، فالعقلية المغربية تقتضي بالعمل والاجتهاد والعلم للوصول، لا يتلكؤون عن السعي يوميًا وكأنّ فخر الفرد الواحد من فخر البلاد، فخر الملك وإرضاء الوالدين. لربما ما أصفه يبدو عاديًا وطبيعيًا وتلقائيًا في أي بلد، لكن وجود النظام الملكي في المغرب قد حمى المغرب من العديد من المعضلات المنتشرة في العالم العربي، لا يخلو الأمر من الفوضى هنا أو هناك لكنّه ليس الطاغي. 

لم يدخل المغرب في ثورة الربيع العربي، فالشعب يكنّ احتراماً وممتلئ ثقة أن الملك هو المنقذ، هو الحامي، هو الخلاص، هو المنحدر من العائلة الملكية وليس أي إنسان عادي قرر الدخول في السياسة، هو رجل أعمال غنيّ جدًّا ويفتخر شعبُه بثروتِه. هو ابن الحسن الثاني الذي رفع مقامه ومقام شعبه أمام الصحافة الفرنسية عدة مرات، الذي كان رجلًا حكيمًا يقول الكلمة المطلوبة في الزمان والوقت المناسبين. رجلٌ أوصى كما أوصوا أجداده بحماية البلاد والدين. هذه البلاد التي لم تقوَ عليها الامبراطورية العثمانية لأنّ الشعب يستجيب لإشارة الملك وينفّذ ويدافع فالبلاد عزيزة والثقة عمياء. 

ربما لا يفقَهُ المغربي حاليًا بالحرب، يعمّ الأمن والسلام منذ زمن بعيد في هذه البلاد بعد الاحتلال الفرنسي الذي دام أكثر من أربعين سنة. هذا الشعب الذي حارب بشراسة في فتح الأندلس، وترسخ فيه حتى اليوم خطاب طارق بن زياد، البحر من ورائكم والعدوّ أمامكم وليس لكم والله إلّا الصدق والصبر. المغربي منافس شرس عنيد في العلم، الثقافة، والرياضة، ينتشرون في العالم ما بين أوروبا وأميركا الشمالية. واليوم يبارز في مباريات كأس العالم وقد خلّف بصمة كبيرة ومهمة للعالم العربي بشكل عام والمنتخب المغربي بشكل خاص بعد تأهّلهم لدوري الـ16 والربع النهائي. فبعد الربح الأوّل لن يهون على أسود الأطلس أن يعود الجمهور العظيم أدراجه خائبًا، فعاد وترك المنتخب العديد من الأهداف في الشباك الكندية، مهداة لأمّهاتهم، لبلادهم، لملكهم. الملك الذي أحبّ هذه اللعبة منذ صغره فكان جلالته محمد السادس من الحاضرين الدائمين في المباريات بين الفريقيْن المشهوريْن في المغرب، الرجاء والوداد، فكيف لا يُبدع المنتخب المغربي اليوم في أدائه ويحرز هذه النقاط على شرف البلاد؟

لربّما الكلام مبالغ فيه بالنسبة للقارئ ويعتبره إحسان ثناء شخصي، لكنني لا استرسل في الكلام إلّا بمحاولة منّي لتقريب الصورة وإيصال ما رأيت عن كثب مع شعب “أخضر” كما بالدارجة بمعنى لا ينافق، ينتمون إلى القومية العربية بالكرم والأخلاق والنخوة. أسترجع زيارتي للمغرب منذ ما يقارب الثلاث سنوات، أرى الخطوة التي تقدّم بها المغرب عن باقي الدول الغير النفطية، فضلها يعود بالخانة الأولى للنظام الملكي، والخانة الثانية للشعب الدمث الذي يثق براعي البلاد، هذا الخليط الذي يميّز المغرب على جميع الأصعدة داخليًا وخارجيًا، والذي جعله يحافظ على علاقة جيّدة مع معظم الدول العربية والأجنبية خاصة فرنسا.