


معركة مصيرية لكسر حلقة البلديات المُفرَغة
أبريل 29, 2025
A-
A+
في ظل الأزمات المتلاحقة التي عصفت بلبنان وأرهقت مختلف القطاعات والمؤسسات، تلوح الانتخابات البلدية المقبلة كفرصة مفصلية ضمن مسار التغيير المنشود.
صحيح أن هذا الاستحقاق وحده لا يكفي لقلب المعادلة، لكنه يشكل خطوة محورية نحو بناء قرى وبلدات عصرية، متجددة، وفاعلة، في إطار لبنان الجديد الذي نطمح جميعًا إليه.
فالتغيير الحقيقي لا يولد من محطة واحدة، بل هو مسار طويل وشاق، يتطلب جهداً تراكميًا وعملًا دؤوبًا وإرادة لا تهتز أمام الصعوبات.
سقوط مشروع بلديات المحاصصة
أثبتت التجربة خلال العقود الثلاثة الماضية أن التعويل على الأسماء والوجوه نفسها كان رهانًا خاسرًا، قاد البلديات إلى الانحدار.
فبدلاً من أن تكون مؤسسات فاعلة للإنماء المحلي، تحولت في كثير من الأحيان، إلى بؤر للمحاصصة والصفقات المشبوهة، حيث أُهدر المال العام في مشاريع ارتجالية، وتوظيفات عشوائية خدمت المصالح السياسية والشخصية على حساب المصلحة العامة.
والنتيجة كانت كارثية: انهيار في الخدمات الأساسية، اهتراء البنى التحتية، وغياب تام لأي رؤية إنمائية حقيقية، ما فاقم معاناة المواطن اليومية وجعل حياته رهينة الفوضى والإهمال.
البلديات بقبضة النهب والعشائر
انعكس الأداء البلدي الكارثي في تفشي مظاهر الفساد والإهمال في مختلف المناطق: من سرقات مغطاة بشعارات “الإنماء”، إلى مشاريع وهمية عاجزة عن تلبية أبسط حاجات الناس، فيما الطرقات لا تزال محفّرة، والإنارة معدومة، والشوارع تغرق في العتمة والفوضى. وغاب الحد الأدنى من الأمان والنظام، لتحاصر المواطنين يوميًا معاناة مضاعفة وحياة مرهقة وخطرة.
إلى جانب ذلك، تحولت الكثير من المجالس البلدية إلى طيّعة بِيَد نواب وقوى سياسية متورطة في شبهات الفساد، أو أسيرة لحسابات تتجاهل كليًا مصالح الناس.
وتفاقمت الأزمة مع تدخل العائلات والعشائر، إذ باتت التعيينات والقرارات رهينة موازين القوى العائلية بدلاً من أن تُبنى على الكفاءة والرؤية التنموية، مما أطاح بكل أمل ببلديات شفافة وفاعلة.
معادلة البلديات: دم جديد أو فشل متجدد
من هنا، لا بد أن ندرك أن الإبقاء على الواقع القائم لا يعني سوى إعادة إنتاج الفشل نفسه.
لذلك، أصبح من الملحّ اليوم ضخ دم جديد في المجالس البلدية، عبر اختيار مواطنين نظيفي الكف، مؤهلين علميًا ومتمرّسين عمليًا، يحملون إرادة حقيقية للعمل الجاد وخدمة الناس، بعيدًا من عقلية الاستزلام والمصالح الضيقة.
نحن بحاجة إلى مسؤولين محليين يدركون أن العمل البلدي ليس مهمة روتينية ولا ألقابًا توزّع كجوائز ترضية، بل هو مسؤولية محورية في قيادة المجتمعات المحلية نحو تنمية مستدامة؛ تنمية تُبنى على مشاريع مدروسة ومبادرات مبتكرة، تلامس تفاصيل حياة في تفاصيلها الصغيرة والكبيرة على السواء.
غير أن التغيير لا يُختزل بمجرد استبدال الأسماء. فالتحدي الأكبر يكمن في بناء ثقافة سياسية جديدة، تقوم على المحاسبة والمشاركة الفعلية للمواطنين في صنع القرار ومراقبة تنفيذه.
علينا أن ندرك أن العملية الانتخابية لا تنتهي عند صناديق الاقتراع، بل تبدأ منها. فالمواطن الواعي، المتابع والمحاسب، هو الضمانة الحقيقية لأي إصلاح مستدام، وهو الحصن الأول في مواجهة الفساد والانحراف عن المسار الصحيح.
نهضة مرهونة بالانتخابات
تشكل الانتخابات البلدية المقبلة فرصة ثمينة، لكنها ليست نهاية المطاف؛ هي لحظة يجب أن نستثمرها بحكمة، للانطلاق في مسار إصلاحي يطاول كل مفاصل الدولة اللبنانية.
وإن كنّا جادين في تغيير واقعنا، من أبسط تفاصيله إلى أعقد قضاياه، فلا بد من كسر الحلقة المفرغة التي كبّلتنا بالماضي، وأن نمنح الثقة لمن يستحقها، بعيدًا من العصبيات الطائفية والعائلية والانتماءات الضيقة.
فالتغيير لا يُمنح، بل يُنتزع بالإرادة، والفرصة الآن بأيدينا.
لبنان اليوم بأمسّ الحاجة إلى نهضة حقيقية تبدأ من الجذور: من البلديات، من الشارع، من الحي، ومن قلب كل بلدة.
فالوجوه الجديدة ليست ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية ملحّة، ومسؤولية كبرى ملقاة على عاتق كل مواطن ومواطنة في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ البلاد.
التغيير بين أيدينا… فهل نلتقط الفرصة؟
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي