286 بلدية بين منحلّة ومشلولة والسلطة تعطل الانتخابات

يوليو 22, 2024

A-

A+

تُصنّف البلديات ضمن الإدارات المحلية، وتخضع لقانون البلديات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم (118/1977)، وإن كانت تختصّ بالمجتمع الذي انتخبها. وتقوم ضمن نطاقها بممارسة الصلاحيات التي يمنحها إيّاها هذا القانون. وتتمتّع البلدية بالشخصية المعنوية، والاستقلال الماليّ والإداريّ.

وتتولّى البلدية وظائف عدّة، منها؛ الشؤون الصحية، والخدمات العامة، وتنظيم الطرقات، وتخطيطها، وتنظيفها، والتخلّص من النفايات. بالإضافة إلى إنشاء المدارس، والمستوصفات، والمستشفيات، وغيرها. وتعدّ البلدية خلية اجتماعية، وذلك بحكم احتكاكها المباشر مع أفراد المجتمع. ويعمل رئيس البلدية على تنفيذ قرارات المجلس البلدي، وعلى إدارة أموال البلدية. كذلك يعمل على مساعدة الضحايا، في حال حدوث نكبات معيّنة؛ كالحريق، وكورونا وغير ذلك.

وانطلاقًا من ذلك، نطرح الإشكالية الآتية: إلى أيّ مدى تتوافر الإمكانات المالية لدى البلديات للقيام بمهامها؟ وما هي تداعيات تأجيل الانتخابات البلدية؟

تعاني البلديات في لبنان أزمة حقيقية؛ حيث تشير الأرقام إلى أنّ 164 بلدية مشلولة، و122 بلدية منحلّة (أي يكون العمل البلدي معطّلًا بالكامل، وتكون البلدية في عهدة القائمقام أو المحافظ)، و34 بلدية مستحدثة في العام 2016، و8 بلديات لم تشهدْ انتخابات في العام 2016. وبطبيعة الحال، فإنّ شلل الإدارات وانحلالها أدّى إلى انتشار الفساد.

وهذه الأرقام مرشّحة للارتفاع؛ لا سيّما بعد إلغاء الانتخابات البلدية التي كانت مقرّرة في أيار الماضي (2024)، وتأجيلها إلى العام المقبل. فعلى الرغم من استعداد وزارة الداخلية لإجراء الانتخابات البلدية، وذلك بحسب صلاحياتها التي يمنحها إيّاها القانون؛ حيث تنصّ المادة 14 من قانون البلديات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم (118/1977) على أنّه: “تدعى الهيئات الانتخابية البلدية بقرار من وزير الداخلية خلال الشهرين السابقين لنهاية ولاية المجالس البلدية. يذكر في القرار مراكز الاقتراع وتكون المهلة بين تاريخ نشره واجتماع الهيئة الانتخابية ثلاثين يوماً على الأقل”.

إلّا أنّ الكتل السياسية احتجّت بالأوضاع الأمنية، والعدوان الإسرائيلي على الحدود الجنوبية؛ علمًا أنّ قانون البلديات رقم (665/1997)، ينصّ في المادة 20 منه على أنّه: “تجري الانتخابات البلدية في جميع المناطق اللبنانية وفقاً للأصول المحدّدة، باستثناء المدن والقرى الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، ويستمر المحافظون والقائمقامون بالقيام بأعمال المجالس البلدية في تلك المدن والقرى”.

واستنادًا إلى هذه المادة، كان من باب أولى أن تجري الانتخابات البلدية في جميع المناطق اللبنانية باستثناء القرى والمدن التي تتعرّض للقصف الإسرائيلي. إلّا أنّ السلطات المعنية تجاهلت هذه المادة، ولم تعملْ بها. وهذا إن دلّ على شيء، فإنّه يدلّ على الرغبة في التعطيل، وزيادة الفساد، والعمل على شلّ البلديات…

وهذا ما جعل البلديات تدقّ ناقوس الخطر؛ لا سيّما أنّها حكومة محلية مشلولة، تعاني أزمةً مالية جعلتها متقاعسة عن تنفيذ مهامها؛ وذلك نتيجة ضعف الجباية، وضعف إمكاناتها المالية. فعائدات الصندوق البلدي المستقلّ باتت لا تساوي شيئًا في ظلّ ارتفاع سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي.

كلُّ ذلك، جعل البلديات عاجزة عن القيام بمهامها، والتي ترتبط مباشرةً بمصلحة المواطنين. ففي ظلّ عجز البلديات، تفاقمت أزمات المواطنين، لا سيّما أزمة النفايات؛ حيث غطّت النفايات الشوارع والطرقات، وباتت تشكّل خطرًا كبيرًا على البيئة العامة، وعلى صحّة المواطن.

ولا ينعكس تأجيل الانتخابات البلدية على هذا الصعيد فقط؛ إنّما ينعكس على الأمن المجتمعي؛ ففي ظلّ غياب البلديات تسود السرقات، ويسود التفلّت الأمنيّ.

أمّا دستوريًّا، فإنّ تأجيل الانتخابات البلدية يعدّ تعطيلًا وانتهاكًا للدستور اللبناني، وللمبادئ الديمقراطية، ولحقّ المواطن في الحصول على الخدمات البلدية، إضافةً إلى حقّه في الاقتراع؛ حيث أشار الدستور اللبناني الصادر بموجب القانون الدستوري (رقم 28 تاريخ 21/9/1990) في ديباجته إلى “أهمية تحقيق التنمية الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية لجميع المناطق اللبنانية”.

وهذا بطبيعة الحال، لا يتحقق إلّا في ظلّ وجود بلديات فاعلة، تمتلك الإمكانات المادية واللوجيستية التي تمكّنها من تنفيذ مهامها.

وفي الختام، نقول إنّ العمل البلديّ مكرّس في النصوص القانونية، وكذلك حقّ المواطن في الاقتراع. لذا، فإنّ تعطيل العمل البلديّ لا يجدي نفعًا، بل إنّه يفاقم أزمات اللبنانييّن. وتجدر الإشارة إلى أنّ الانتخابات البلدية تمثّل استحقاقًا دستوريًّا لا يقلّ أهمية عن الانتخابات النيابية. من هنا ندعو المجلس الدستوري إلى الاكتراث لهذا الواقع، وتحمّل المسؤولية الكاملة في ما يتعلّق بالانتهاكات المستمرة للدستور اللبناني.