نادين جوني تنتصر على تجار الدين بعد عامين على وفاتها

فبراير 23, 2023

A-

A+

بعد سنين من نضال نادين جوني ومن ثم والدها على ظلم المحاكم الجعفرية، قضت المحكمة الجعفرية العليا في بيروت بفسخ حكم مجحف أصدره الشيخ جعفر الكوثراني وأعرب عن إعادة حق والد نادين وذويه برؤية حفيده والمبيت في منزله.

نادين جوني التي توفيت في تشرين الأول 2019 لم تمت مرة واحدة فقط، بل ماتت ثلاث مرات، المرة الأولى بموتها قبل أن تنتصر على المحاكم الشرعيّة وتستعيد ابنها كرم التي ناضلت طويلاً من أجله، المرة الثانية بالحادث المؤلم التي تعرضت له في طريقها للمطالبة بدولة كريمة تحتضنها وابنها والمرة الأخيرة في المحكمة الجعفرية التي باسم الشريعة تجتهد دائمًا في أحكام خاصّة تسلب حقوقاً إنسانية.

لطالما عرفت نادين جوني بنضالها الطويل فحتى بعد وفاتها، ظل يلاحقها ظلم القوانين الذكورية، والقيّمون على تنفيذها. فنادين، التي طبعت في ذهن كل من يعرفها صورة الأم المقاتلة والمرأة الشرسة في سبيل استعادة حضانة ابنها الوحيد كرم، بعد أن حرمتها منه المحاكم الجعفرية عند بلوغه العامين.

نشير الى اقتران هاشتاغ اسم نادين بقصص تشجّعت مطلقات محرومات من الحضانة لإخراجها أكثر فأكثر للعلن.

ورغم إعطاء القاضي علي حيدر لوالد نادين الحق برؤية حفيده إلا أن والد كرم وذويه قرروا استئناف الحكم بالضغط على القاضي وتضليل العدالة والبلطجة وانتهاك جميع الحرمات، وبذلك قرر القاضي علي حيدر التنحي بنتيجة التعرض له.

وبعد حرب من الاستئناف والرد قرر القاضي الشيخ جعفر كوثراني أخذ المبادرة بنفسه وأوقف تنفيذ الحكم الأول الصادر بحق الرؤيا والمبيت ومنع الجد من رؤية ما تبقى له من ابنته.

ونشير الى تاريخ الشيخ جعفر الكوثراني المجحف بحق المرأة الشيعية؛ ونستذكر قضية فاطمة حمزة سنة 2016 التي أصدر الشيخ جعفر الكوثراني قرار بسجنها بسبب رفضها تنفيذ قرار قضائي قضى بحرمانها من حضانة ابنها البالغ من العمر 3 سنوات حتى قبل حصول الطلاق.

ورغم مرور سنوات تفصل هذه القضايا عن بعضها، الا ان مسألة رفع سن الحضانة في المحاكم الجعفرية ما يزال أ كثر المسائل ظلماً من الأحوال الشخصيّة والاجتماعيّة عموماً في لبنان. وتخضع ضمن طوائف لبنان الدّينيّة الـ18 لـ15 قانوناً، يُنهي صلاحية الأم في الحضانة بموجب “سقف” لأعمار الأطفال.

“ولا يزال النظام الأبويّ في لبنان يحترف ابتزاز الأم بطفلها، محفّزاً ومنتقماً من أعظم هشاشتها العاطفية.

وكم من أم مضطهدة في منزلها، تعرف ماذا ينتظر المطلقات، فتمسك عن طلب الطلاق خوفاً من حرمانها الأطفال.”

وواقع الحال، أنّ المحكمة الجعفريّة في لبنان التي تشتهر بالحدّ الأدنى لسنّ الحضانة، تستند فقط إلى الآية القرآنيّة “والوالداتُ يُرضِعنَ أولادهنَّ حولينِ كاملينِ”.

وإن الملفت في هذا الموضوع أنّ هذا التعسّف لا يطابق قوانين العراق حيث أقدم المرجع الشيعي علي السيستاني الّذي يتبعه الكثيرون من الشيعة في لبنان، بتحديد عشر سنوات سنّاً للحضانة لدى الجنسين.

إن هذه القصص وأمثال الشيخ جعفر الكوثراني تفتح الضماد على جرح تاريخي عميق، معيدةً تذكير اللبنانيين بأنهم يعيشون في كنف دولة لا قانون موحدا فيها للأحوال الشخصية فيها، بل كلٌ يغني على هواه. المحاكم الشرعية تتخذ قرارات اجتهادية بينما تلعب الدولة اللبنانية دور “الناطور”، أي حامية هذه القرارات والساهرة على حسن تطبيقها.

وبموت الناشطة النسويّة “نادين جوني” بحادث سير خلال احداث ثورة 17 تشرين، انبرت الحملات النسوية الغاضبة تعيد قضيّة الحضانة للواجهة، وتفنّد أبوية المحاكم الدينيّة، نضال لطالما تقدّمته نادين بالصوت واليافطات المرفوعة، بعد أن حرمتها المحكمة الجعفريّة باكراً من طفلها كرَم. وجاهدت الأم “حتّى النفس الأخير” في سبيل رؤية ابنها أو النوم بقربه.

وتستمرّ هذه المعركة منذ نحو ثلاث سنوات بين السّلطة الدّينيّة الشّيعيّة والحملات الّتي تسعى لـ “مدننة” وتوحيد قوانين الحضانة.

رغم جميع المحاولات الحثية على رفع سن الحضانة في المحاكم الجعفرية إلا أن النظام الأبويّ في لبنان يزيد احترافًا بإبتزاز الأم بطفلها، محفّزاً ومنتقماً من أعظم هشاشاتها العاطفية.

فكم من “نادين” و”فاطمة” في لبنان حُرِمن ويُحرمن أطفالهنّ بقوانين تبررها الطائفة ولاجتهادات الدينية التي توصي حصرًا على قطع الأرحام. وكم من أم مضطهدة في منزلها، تعرف ماذا ينتظر المطلقات، فأمسكت عن طلب الطلاق خوفاً من حرمانها من أطفالها.