“أنا إذا ضربت إبني وين المشكلة؟” عبارةُ أمٍ عذبت طفلَها فكشفتها نادين
يوليو 8, 2024
A-
A+
“الطفل ورقة بيضاء نكتب عليها ما نشاء”، هذه العبارة نُسبت للفيلسوف الإنجليزي جون لوك في القرن السابع عشر. يُنقش على هذه الورقة البيضاء الاهتمام الذي يتلقاه الطفل البريء من محيطه، ليُدشَّن لديه لاحقًا أساسات الحياة، بحيث يرتكز سلوكه وردّات فعله المستقبلية على ما واجهه واكتسبه في صغره.
أين هو “جون لوك” وأمثاله ممن دافعوا عن طفولة الإنسان، وقاموا بإعداد دراسات مفصلة عنها نسبةً لتأثيرها على مستقبل البشرية؟ أين “لوك” ليرى الطفل في لبنان وهو يواجه مصاعب لا يمكن للراشدين أنفسهم تحمُّلها؟!
وفي نهاية المطاف، يعمد المجتمع إلى إطلاق الأحكام السلبية والمسبقة على مراهق مصاب باضطرابات نفسية، واصفًا إياه “بالمعقّد”، ومعتبرًا أنه “ليس مؤهلًا ليكون جزءًا من الطبيعة البشرية”، وأنه يجب إقصاؤه ونبذه مجتمعيًا بسبب الخطر الذي يشكله سلوكه.
عطلة الجبل تحولت إلى كابوس
كانت صدفة تعثرت بها الفنانة نادين الراسي خلال قضائها عطلة في إحدى قرى جبل لبنان، وأعادت ظاهرة “العنف ضد الأطفال” إلى الواجهة من جديد. فقد أظهر مقطع فيديو مصور نشرته الراسي على صفحتها في “إنستغرام” سيدة تنهال بالضرب على طفلها في ساعة متأخرة من الليل.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “نَقِدْ”، فإن الراسي مرت صدفةً بجانب منزل تقطنه أسرة سورية لاجئة في لبنان، لتسمع طفلاً يتوسل أمه لكيلا تزيد من تعذيبه الجسدي، مما دفع الفنانة اللبنانية إلى اقتحام منزل المعتدية وإنقاذ الطفل في آخر لحظة.
لن يتم التطرق في المقال إلى تقييم سلوك الراسي، علمًا أنها احترمت خصوصية الأسرة المعنية ولم تُظهر وجه المعتدية. إلا أن ما أثار حفيظة المتابعين والمراقبين هو أن محض صدفة كهذه كشفت عن معاناة طفل يبدو أنه يواجه العنف الممنهج منذ أن اتخذت الأم قرارًا غير مسؤول بإنجابه. ولكن ماذا عن الحالات الخفيّة الأخرى غير الموثّقة بالصوت والصورة؟
العنف ضد الأطفال: خطر دامٍ يهدد لبنان
العنف الأسري في لبنان ليس حديث عهدٍ ولا يقتصر على الأجانب فقط. ففي الرابع عشر من يونيو / حزيران الماضي، نشرت وسائل إعلام تقارير تفنّد بالأرقام حوادث عنف طالت أطفالًا في لبنان، لتدقّ هذه التقارير ناقوس الخطر لدى المراقبين الحقوقيين. وقد سجلت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي خلال شهر مايو / أيار الماضي 79 حالة “عنف أسري”، في حين تم تسجيل 56 حالة في يناير / كانون الثاني الماضي و40 حالة في فبراير / شباط الماضي، ما يعني أن طفلين على الأقل يتعرضان يوميًا للتعذيب في لبنان.
بحسب معلومات “نَقِدْ”، شهدت تلك الحالات المسجلة أساليب جديدة لتعنيف الأطفال أو سائر أفراد الأسرة جسديًا ولفظيًا، في وقت يضمن فيه القانون اللبناني حماية الأطفال وأفراد الأسرة من العنف الأسري، ويتيح المساعدة القانونية عبر الاتصال برقم هاتفٍ على خط ساخنٍ خُصص لهذه الغاية، وهو مدوّنٌ في نهاية المقال.
الضمانات القانونية لحماية الأطفال: حبر على ورق؟
تضمن المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل حماية كل أطفال العالم، إذ تنص على أن “جميع الأطفال يملكون الحق في الحماية من العنف وسوء المعاملة التي يمكن أن يتسبب بها أي شخص في حياتهم، سواء الأهل أو الأساتذة أو الأصدقاء أو الشركاء أو الغرباء. وتعتبر جميع أشكال العنف التي يتعرّض لها الأطفال، بغض النظر عن طبيعة أو شدّة الفعل، ضارة. ويمكن أن يضرّ العنف بإحساس الأطفال وتقديرهم لذواتهم وإعاقة نموهم”.
من جانبها، تشدد المؤسسة العسكرية في لبنان على ضرورة التنبه لمظاهر العنف، والعمل بجد وصدق وإخلاص لإنقاذ أي إنسان يتعرّض للعنف بكل صوره.
وبحسب المحامي اللبناني أنطوان كيروز، فإن لبنان صادق على الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل، ويحميه الآن من الإهمال والإيذاء والتشرد والاستغلال لأغراض مقيتة كالاغتصاب أو التحرش الجنسي.
وللقارئ الحق في التساؤل عن سبب ارتفاع نسبة العنف ضد الأطفال في ظل وجود العديد من المواد القانونية التي تحمي حقوقهم وتحصنهم من الاعتداءات المادية والمعنوية. إلا أنه يمكن إيعاز ارتفاع وتيرة العنف ضد الأطفال في لبنان إلى إهمال السلطات للمساءلة والمحاسبة القانونية، كما اعتادت التصرف في كل القضايا الحساسة. فهل من ضامن لأطفال لبنان؟
“أنا إذا ضربت إبني، وين المشكلة؟”
عبارة لافتة تفوّهت بها تلك “الأم”، وكأن قانونًا ما منح للأسرة حقًا يخوّلهم الاعتداء على أبنائهم، والردّ المؤكد على “عنجهية” تلك السيدة هو “لا!”. من غير المقبول أن يكون الأطفال سلعًا أو وسائل نفرغ عبرها غضبنا! من غير المقبول يا “هذه” أن يكبر الأطفال في أجواء سامة تغلب عليها معالم العنف والكراهية! للطفل كل الحق في أن يُحترم، في أن تُقدم له وسائل الراحة على طبق من ذهب، في أن تُكتب على ورقته البيضاء كلمات الحب بحبر السلام.
يُترك للقارئ أن يتخيل نسبة من يعانون من العنف الأسري أو تداعياته الهدّامة حتى بعد بلوغ الأطفال سن الرشد! يُترك له تصوّر حجم الاضطرابات التي تصيب الأطفال فتنعكس على المجتمع بأسره! يُترك له تخيّل شعور الضحية التي شوهت وغاب صوتها دون أن نعرف عنها شيئًا!
تنويه: 1745 هو الخط الساخن الذي تتيحه القوى الأمنية لتلقي الاتصالات المتعلقة بحالات العنف الأسري. رصدتم هكذا حالات؟ لا تترددوا في الاتصال على الفور!
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي