


حين تتغير الموازين :المنطقة بين الماضي والمستقبل
فبراير 4, 2025
A-
A+
يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واشنطن، حيث من المقرّر أن يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في لقاء قد يحمل دلالات كبرى لمستقبل المنطقة. لا يزال الغموض يحيط بالقضايا التي ستُطرح على الطاولة، لكنّ المؤكّد أن الشرق الأوسط الجديد، الذي كان مجرد رؤية منذ عقود، بات أقرب إلى التحقّق أكثر من أي وقت مضى.
عندما دخلت القوات الأميركية إلى العراق عام 2003، كان الهدف بعد إسقاط نظام صدّام حسين هو إعادة تشكيل المنطقة على أسس جديدة، حيث كان الخوف في سوريا وإيران من ضربة أميركية على دولتيهما تلي دخول العراق، لكنّ إيران عملت على جعل العراق مستنقعًا يغرق فيه الأميركيون.
لذا أظهرت التجربة أنّ تحقيق هذا الهدف عبر الاحتلال المباشر لم يكن مجديًا. وبالمثل، لم تستطع إسرائيل القضاء على حزب الله في حرب 2006، إذ إنّ الأخير افتتح حربًا عبثية دمّرت لبنان ولم تكن إسرائيل جاهزة لها. فكان لا بدّ من العمل بشكل مختلف، عبر تفكيك الأنظمة القائمة التي عُرفت بمحور الممانعة، وهي أنظمة لا تعبّر عن تنوّع شعوبها، وبدأ السير في تحقيق الشرق الأوسط الجديد.
الشرق الأوسط الجديد، الذي تأجّل تحقيقه أكثر من مرة، بدأ يتبلور اليوم من خلال متغيرات متسارعة: الثورة السورية كشفت هشاشة نظام الأسد والحاجة إلى تدخل روسيا وإيران وحلفائهما للدفاع عنه، إلى حين الحرب على حماس بعد السابع من تشرين الأول عام 2023، ثمّ الضربة القاضية على حزب الله في أيلول العام الماضي، وصولًا إلى سقوط نظام الأسد نهائيًّا في تشرين الثاني.
هذه التحوّلات لم تكن مجرد صدف، بل جاءت كنتيجة لتراكمات طويلة وتجاذبات إقليمية ودولية أدّت إلى تفكيك البُنى القديمة التي حكمت شعوب المنطقة لعقود طويلة.
استغلّت إيران على مدى عقود الفقر والضعف والدين لفرض سيطرتها، فكانت دائمًا حجر العثرة أمام تحقيق هذا الواقع الجديد، فبنت مشروعها التوسّعي على التدخل في الدول العربية، مستخدمة أدوات متنوعة، من الخطاب العقائدي إلى تسليح الجماعات التابعة لها.
سوريا لم تكن بعيدة عن مخطّط إيران التي سعت لابتلاعها بالكامل، مستخدمة نظام الأسد كواجهة لمشروعها، لكنّه كان أضعف من أن يحافظ على وجوده. اليوم باتت سوريا أقرب إلى تاريخها وماضيها، حيث ظهرت جماعات تريد الحفاظ على خصوصياتها وأمنها.
العراق أيضًا لم يكن بمنأى عن هذه الهيمنة، إذ قدّمت طهران نفسها كقوة تحارب الأميركيين، في حين أنّها كانت تزرع ميليشياتها في مفاصل الدولة، فحوّلت العراق إلى ساحة صراع دائمة أفقدته هويته وأغرقت شعبه في أزمات لا تنتهي. لكنّ التجربة الكردية أظهرت قدرة الشعوب على إدارة نفسها كما تريد وكما تستحقّ، بعيدًا عن الأفكار الشمولية التي لا تصلح لكل بقعة جغرافية في العالم.
أما في لبنان، فقد وُضعت العديد من الاقتراحات على طاولات النقاش، من اللامركزية الموسّعة مرورًا بالفدرالية، وصولًا إلى “الطّلاق” الذي تحدّث عنه رئيس حزب الكتائب سابقًا، كما لمحت إليه شخصيات وأطراف من المعارضة خلال السنوات الأخيرة، حين كان لا يزال غير واضح ما إذا كان حزب الله سيحكم قبضته على لبنان. لم تعد اليوم فكرة “الطّلاق” مطروحة مع انحلال الحزب ومشروعه، إلّا أنّه لا بدّ من حلٍّ وسط بين نظام المتصرفية الذي عزل المناطق اللبنانية عن بعضها، ودولة لبنان الكبير التي كانت تسقط دائمًا في الصراعات كل عقد أو اثنين.
اليوم، ومع تراجع نفوذ المحور الذي قاد المنطقة إلى الحروب والانهيارات بفعل الإصرار على مواجهة العالم، يبدو أنّ شعوب هذه الدول نفسها ترى في التحولات الجارية فرصة لتصحيح المسار. لم تعد هذه الشعوب تريد أن تُحكَم بأنظمة وحدود مفروضة عليها بالقوة، ولا أن تكون ساحات لمعارك الآخرين، بل تبحث عن واقع جديد يشبهها، يتماشى مع خصوصياتها التاريخية والثقافية، ويضمن لكلّ مكوّن فيها حقه دون أن يكون أداة لمشاريع خارجية.
هنا، يأتي السؤال الأساسي: هل ستكون زيارة نتنياهو إلى واشنطن لحظة الحسم في هذا المسار؟ هل سنشهد، بعد هذه الزيارة، الضربة الكبرى التي ستنهي المشروع الإيراني، وتفتح الباب أمام إعادة بناء المنطقة وفق منطق جديد أكثر استقرارًا وتوازنًا؟ وهل تتحقق هذه الرؤية، بعدما بدت يومًا ما ضربًا من الخيال؟
الأيام المقبلة قد تحمل الإجابة، لكن المؤكّد أن الشرق الجديد بات أقرب من أي وقت مضى.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي