الحلّ المغيّب والنزاع المستمر

أكتوبر 20, 2023

A-

A+

جولة جديدة من سفك الدماء تجري الآن بين اسرائيل وحماس. حيث شنّت حماس هجوماً برياً منسّقاً سبقه اطلاق كثيف للصواريخ على عدّة مستوطنات حدودية. ادى ذلك الى اعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ان اسرائيل الآن في حالة حرب وان قوات الدفاع الاسرائيلية ستردّ على هذه الهجمات التي طاولت اسرائيل.

كما هو متوقع، يلقي كل طرف اللوم على الآخر. من جهة تتهم إسرائيل والمجتمع الغربي المؤيد لها حماس بأنها ليست سوى ميليشيا ارهابية مدعومة من إيران تستهدف وبشكل متعمد المدنيين المواطنين الاسرائيليين. اما الفلسطينيون فيطالبون بأحقيتهم باسترداد أرضهم المحتلة بعد فرض نظام فصل عنصري من قبل إسرائيل وتعرضهم الدائم لعنف منهجي ومفرط استمرّ على مرّ العقود. ويشيرون إلى أن القانون الدولي يسمح للشعوب المضطهدة بالمقاومة ضد الاحتلال حتى لو كانت السبل التي تستخدمها حماس غير مشروعة.

قد تختلف الآراء حول هذه المعركة فالبعض يرى أن ما حدث هو دليل لسقوط النظام الامني العالمي. والبعض الاخر يفسر أن هذه ليست بالمرة الاولى التي تندلع فيها هجمات وردود عنيفة من قبل الطرفين. فتعددت الهجمات على مرّ السنين ووقع ضحيتها الالاف من المدنيين وزادت نسبة الفقر لدى السكان المحاصرين في غزّة.

حققت حماس مفاجأة كبيرة لم يتوقعها أحد، تماماً كما فعلت مصر وسوريا قبل 50 عامًا خلال حرب 1973. فأظهرت حماس قدرات قتالية غير متوقعة. وتسبب هذا الهجوم بوقوع اضرار جسيمة على إسرائيل حيث اعلنت عن مقتل 1500 إسرائيلي حتى الان بحسب التقارير الصادرة عن الكيان الصهيوني، كما عن أسِر عدد غير معروف من جنود جيش الدفاع الاسرائيلي.

لقد شكل هذا الهجوم صدمة كبيرة لدى المجتمع الاسرائيلي. ومن الممكن أن يؤدي فشل الحكومة في تحديد وكشف الهجوم الى نهاية مسيرة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسية. ومع ذلك، ما زالت حماس أضعف بكثير من إسرائيل، وان الرد الاسرائيلي الحاسم سيدفع ثمنه المدنيين الأبرياء في غزّة.

لا يمكن معرفة اتجاه هذه الازمة او ما سيكون لها من تأثيرات على المدى الطويل. لكن يمكن الاخذ ببعض الاستنتاجات التي اوضحها هذا الصراع.

اولا، تؤكد الكارثة الاخيرة فشل في السياسة الاميركية تجاه الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. يكفي القول ان قادة الولايات المتحدة من ريتشارد نيكسون الى باراك اوباما قد سنحت لهم فرص متكررة لإنهاء هذا الصراع والوصول الى حل جذري ولم ينجحوا في تحقيق ذلك. فبدل من ان يتصرفوا كوسيطين عادلين ويستغلوا النفوذ الهائل الذي في حوزتهم، الا ان الديموقراطيين والجمهوريين قد انحنوا واستسلموا اما ارادة وضغط اللوبي الاسرائيلي العام في الولايات المتحدة وتصرفوا كمحامي إسرائيل، وضغطوا على القادة الفلسطينيين لتقديم تنازلات متعبة وكبيرة في حين قدموا دعم غير مشروط لاسرائيل وتجاهلوا ما قامت به على مرّ العقود من ضم اراضي الدولة الفلسطينية.

كما هو الحال دائما، الرد الرسمي للولايات المتحدة يكون بادانة حماس والتعبير عن دعم قوي لاسرائيل، وتجاهل الاسباب التي تجعل الفلسطينيين يشعرون ان حلهم الوحيد هو استخدام القوّة رداً على ما يستخدم ضدهم من قوّة.

ثانيًا ما يحصل الآن من سفك للدماء يوضح ان في السياسة الدولية، تعتبر القوة أهم من العدالة. فاستطاعت إسرائيل ان توسع نفوذها في الضفة الغربية وان تحتجز سكان قطاع غزة في سجن مكشوف لعقود لانها اقوى بكثير من فلسطين ولأنها استقطبت وحاولت تحييد أطرافاً اخرى كالولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.

ومع ذلك لا يمكن ان يكشف هذا الحدث والاحداث التي سبقته على ان الحرب هي استمرار للسياسة العالمية وفي بعض الاحيان تنتصر الدولة القوية في الميدان وتخسر سياسيًا. لن تكون حماس قادرة ابداً على هزيمة إسرائيل في اختبار قوة مباشرة، لكن هجومها الاخير يؤكد ان رغبة الفلسطينيين في تقرير مصيرهم لا يمكن تجاهلها.

ستبذل إسرائيل جهودًا كبيرة لمنع حماس من ظهور نجاحها التكتيكي وربما حتى ستحاول طردها من غزة مرّة واحدة وللابد. كما ان الحكومة الاميركية ستقف بحزم خلف ما ستقرره إسرائيل. وستستمر دورة الانتقام والمعاناة والظلم.