الاعتراف بـ”دولة فلسطين”.. كذبة العصر
أبريل 16, 2024
A-
A+
غريب هو حال بعض الدول، لا سيما تلك التي تصف نفسها بالـ”عُظمى”، فمن جهة تُظهر الولاء المطلق لدولة ترتكب حكومتُها وجيشُها جرائمَ ضد الإنسانية، وتدعمها بشتى الوسائل في حروبها، ومن جهة أخرى تصدُرُ عن قادتها تصريحاتٌ، بين ليلة وضحاها، تهدف إلى إلهاء الشعوب العربية بقضية مثيرة للجدل، طمرها التاريخ ولم يعد يؤمن بها سوى قلة من الناس.. إنها جدلية الاعتراف بـ”دولة فلسطين”.
ففي تصريح مألوف خرج به رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، قائلاً إن الحكومة اليسارية في إسبانيا عازمة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية بحلول شهر يوليو / تمّوز المقبل.
تصريحات سانشيز، غير الرسمية، جاءت خلال جولته في العاصمة الأردنية عمّان مطلع أبريل / نيسان الجاري، ولم تكن الأولى من نوعها.
وفي المقال سيجد القارئ أحداثا ومواقف شبيهة لموقف الحكومة الاسبانية، في لمحة سريعة على تاريخ المواقف السياسية العلنية غير المطبقّة، والتي أُدرجت في أرشيف المحافل الدولية.
تصريح “سانشيز”.. déjà vu عدة مرات
إذا أردنا الحديث فقط عن العقد الأخير، وبالعودة إلى ما قبل 9 سنوات، حينما أقر البرلمان الاسباني مذكرة رمزية تدعو الحكومة للاعتراف بدولة فلسطين، وهي خطوة لاقت ترحيباً واسعاً وتهليلاً من قبل الفصائل الفلسطينية من جهة و”تجار القضية” من جهة أخرى، كما دفعت إسرائيل إلى الاعراب عن خيبة أملها، بلسان وزير خارجيتها آنذاك إيمانويل نحشون، الذي قال إنها ستقضي على ما تبقى من أمل للتوصل إلى اتفاق سلام في منطقة الشرق الاوسط.
وبعد عام من القرار الاسباني، تم إعداد وثيقة رسمية تنص على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ورحب بها البابا فرانسيس شخصياً، وهنأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال استقباله استقبالاً رسمياً في الفاتيكان.
وبعد مرور عام إضافي، طالب 154 نائباً فرنسياً الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا أولاند، بالاعتراف بدولة فلسطين، واصفين تلك المسألة بالتحدي التاريخي. وأكد البرلمانيون حق الفلسطينيين في بناء دولتهم الخاصة.
ومرت العديد من الأشهر، أعربت بعدها سلوفينيا عن نيتها الاعتراف بفلسطين، إلا أن الاتحاد الاوروبي لم يبد ترحيبا، فكيف له أن يقبل بمخطط يتعارض مع نظرته للـ”شرق الأوسط الجديد”؟
إذا أردنا تسليط الضوء على أحداث مشابهة، قد يطول الحديث ولن ينتهي، إذ شكلت جدلية الاعتراف بدولة فلسطين محورا هاما لدى جميع البلدان، ومن المعروف أن أغلب دول العالم اعترفت بها كدولة مستقلة، باستثناء بلدان تدعي الرغبة في التوصل إلى حل الدولتين وتصفية النزاع بشكل سلمي في المنطقة، كدول أمريكا الشمالية والاتحاد الأوروبي وأستراليا.
وعلى الرغم من الاعتراف الدولي بأحقية الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، بقيت تلك الجدلية (مسألة الاعتراف) تُناقش حول العالم لتحديد طبيعة تلك الدولة وحدودها وسياساتها.
ماذا يعني الاعتراف بـ”دولة فلسطين” وهل يمكن تحقيقه؟
هي خطوة دبلوماسية تعترف من خلالها البلدان بوجود كيان أو دولة معينة، وتقيم علاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية معها، وتؤسس فيها سفارات وقنصليات، إضافة إلى استقبالها سفارات وقنصليات تابعة لها على أراضيها.
ولكن، عندما يتعلق الامر بفلسطين، تتشابك كل الملفات الإقليمية والدولية وتزداد تعقيدا، فمع كل نية “اعتراف” تصدر عن دولة، يبدأ الترحيب بالقرار ومعه تنطلق الازدواجية وتدحض نظريات الحرية وحق تقرير المصير، تطبيقا لأجندات سياسية.
الاعتراف بدولة واقعة تحت حكم سلطات احتلال أمر صعب، فإسرائيل – الحلم الغربي في الشرق الأوسط – ترتكب جرائم حرب في غزة (باعتراف دولي) وتدهم مدنا وتعتقل النساء والأطفال في الضفة الغربية، أي تسيطر وتقمع ما تبقى من شعب وأرض فلسطينية، فكيف لحكومة بنيامين نتنياهو التي توصف اليوم بالأكثر تطرفا أن تتقبل مشروع بناء دولة بجيش وقوات عسكرية تسير في عكس تيارها؟ أو أن توافق على إجراء انتخابات حرة ونزيهة من دون التدخل فيها وفرض نفوذها؟
فالدولة – قانونيا – تتألف من أرض وشعب وسلطة سياسية، وفي حالة فلسطين هل علينا انتظار وصول أعداد الضحايا في غزة إلى المئة ألف كي نتيقن من مسألة الإبادة والتطهير العرقي؟ أم علينا الانتظار من إسرائيل أن تنفذ المزيد من المخططات الاستيطانية واقتصاص المزيد من الأراضي الفلسطينية؟ أم علينا انتظار اغتيال محمود عباس مثلا، لنرى أن السلطة الفلسطينية مُزيفة ومُختطفة من قبل سلطات الاحتلال؟
خلاصة، ستبقى القرارات الوجدانية غير مُلزمة، وستظل المعادلات السياسية رهينة التصريحات فقط، ما لم يكن هناك حلا جذريا للقضية الفلسطينية، يُنهي الصراع الدائر في المنطقة منذ أكثر من سبعة عقود. لذا على العالم أن يتوقف عن إطلاق الشعارات الوجدانية والعاطفية الرنانة، والتي من الصعب تحقيقها (حسب قول المسؤولين الإسرائيليين). وقبل الاعتراف بدولة فلسطين، فلتعيدوا أرضها لشعبها وأنقذوه من القمع، واحموه من التصرفات النازية.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي