لم يُيَتَّم اولاد باسكال فقط، بل نحن جميعاً أيتام!

أبريل 12, 2024

A-

A+

في ظلّ هذه الأزمات المريرة الّتي يمرّ بها اللّبنانيّين، نجد أنفسنا محاطين باليأس وشعور الإحباط من كلّ زاوية، ويبدو أنّ نهاية النّفق، الّذي كان يعدُ بنور أمل، أصبح بعيد المنال، حيث كلّما اقتربنا منه، بدا أكثر بُعدًا وكأنّه كان من نتاج مخيّلتنا. وربما قُدّر لجيلنا ألّا نخرج من هذا النّفق يومًا، بل أن نتقبّل واقعه.

يواجه لبنان، بلدنا “العزيز”، من تحدّيات هائلة، هائلة جدًّا، فتبدو طموحاتنا ببناء دولة فعليّة وفاعلة ومزدهرة كأحلام باهتة تتلاشى أمام أعيننا. مع انتشار أكثر من مليوني سوري في قرانا وشوارع مدننا ومنازلنا ومزارعنا وجرودنا، وما يحمله وجودهم هذا من أعباء ومخاطر جسيمة على اللّبنانيين والكيان اللّبناني خصوصًا أنّ وجودهم هذا سيؤثّر على التوازن ديمغرافي لغير مصلحتنا خلال السّنوات القليلة القادمة.

ومع تمركز أكبر ميليشيات الشّرق الأوسط بعديدها وعتادها على كامل الأراضي اللّبنانيّة، وفي غرف اتّخاذ القرار، وفي مرافقنا الحيويّة وعلى حدودنا وداخل أجهزتنا الأمنيّة، وهذه الميليشيا على وشك إدخالنا في أصعب حرب قد يشهدها تاريخنا المعاصر. ومع أزمتنا الإقتصاديّة الّتي نتوهّم في كلّ مرّة أنّها قد تصل إلى خواتيمها، في حين لا أحد يتحدّث عن أمل بالنّهوض مجدّدًا إلّا بتعويم خارجي، خليجيّ بشكل خاصّ، ودول الخليج هذه لا تبدو متحمّسة لتعويمنا كما كان يحصل سابقًا.

هذه الصّورة البائسة تتّضح معالمها يومًا بعد يوم، ممّا يزيد من مشاعر الإحباط، فنشهد مسرحيّات وعروض مأساويّة تُعرَض أمامنا من فترة لأخرى وآخرها إستشهاد باسكال سليمان، وأسمح لنفسي أن أسمّيه شهيدًا مهما كانت نتائج التحقيقات، فهو شهيد اللّادولة والسلاح المتفلّت وعبء اللّجوء قبل كل شيء، وقد تيتّم أطفاله الثلاث كما تيتّمنا نحن.

هذه الحقيقة المرّة الّتي لا نريد تصديقها، وهي أنّنا أصبحنا نحن أيضًا أيتامًا مثل أطفال باسكال، لا دولة تحمينا، ولا أحزاب وأطراف ومستقلّي ما يُسَمّى بالمعارضة تمثّلنا. هم يزيّنون الشّاشات عند كلّ أزمة وحدث مأساويّ كهذا ليخبروننا بأسباب هذا الواقع، وكما دائمًا من دون تقديم حلول جديّة، بل يدعون إلى الصّمود وعدم الإستسلام ولم يعد ذلك مقنعًا بكلّ صراحة.

أريد أن أطمئن هؤلاء، أي أطراف المعارضة، أنّ لا حاجة بعد الآن لخطاباتكم الّتي تسرد وتصف الواقع وأسبابه، فنحن على علم بهذه العناوين وتفاصيلها. ونحن لم نصوّت للوائحكم في صناديق الإقتراع لنستمع لشكواكم وطلاقة لسانكم حول الظّروف والأحوال في بلادنا وكم هي صعبة. ولا نحتاج إلى تحفيزكم لنا على الصّمود وعدم الإستسلام. ولا ننتظر منكم في كلّ مرّة تسقط ضحيّة جديدة أن تقيموا مؤتمرات صحفيّة أصبحنا نتوقّع مضمونها سلفًا. شكرًا لكم على أداء دورنا نحن المواطنين الأيتام، ولكن في كلّ مرّة نُقتَل، ونُشيَّع ونُدفَن فتعود الحياة إلى طبيعتها، وأصبح لدينا عشرات الأمثلة عن هذه الدوّامة.

شكرًا لسامي الجميّل وسمير جعجع اللّذين يربطان بين واقعنا المذري والسّلاح غير الشّرعي، ويبشّران ويطمئنان أنّ خلاصنا آتٍ لا محالة، وشكرًا لكلّ من يدور في فلكهما لأنّهم يحاولون إعطاءنا بعض جرعات الأمل في حين أنّنا نريد إمّا طريقًا واضحًا للحلّ أو إعلانًا للإستسلام.

فليقولوا لنا ما هي سُبُل الحلّ كي نعمل جميعنا عليها إنطلاقًا من هذه اللّحظة، أهي الحرب أو التقسيم أو العصيان المدني أو فرض اللّامركزيّة بشكلٍ أو بآخر؟ أو على الأقلّ قولوا لنا الحقيقة، وهي أنّنا خسرنا وما زلنا نشتري الوقت لربّما يأتي الخلاص من حيث لا ندري، ولا تبيعونا الأوهام. فليعلم كلّ فرد منّا، وخاصّة جيل الشّباب، أنّ لا أمل في لبنان بعد اليوم وهذه هي صورته الجديدة، وأنّ العمل في الدّول العربيّة لا جدوى منه لأنّنا سنعود إلى بلدٍ لا إستقرار ومستقبل فيه، والحلّ يأتي إمّا بالهجرة وإمّا بتقبّل الواقع والقناعة “بالموجود”.

أصبحت تصاريحاتكم مزعجة كتهديدات رافِع الإصبع وكنتائج تحقيقات الأجهزة الأمنيّة، وتدفعنا لنتساءل عن الفرق بين الحكمة وإعلان الإستسلام. ومتى كانت الحكمة تعني البكاء على الأطلال والشّهداء وترتكز على الوعود الفارغة.

ربّما نستقيظ صباح يوم غد وتأتي بعض نفحات الأمل الّتي لا معنى جدّي لها، إنّما ناتجة عن طبيعتنا الإنسانيّة، لنقنع أنفسنا أنّ الحياة الّتي نسعى إليها تستحقّ بعض الصّبر والتّضحية والصّمود، لكن تكاد تموت هذه الغرائز البشريّة مع كل حادثة جديدة، ونتأكّد أنّه مهما حصل لن يكون هناك شرارة لتطوّرات كبيرة تقلب الأمور رأسًا على عقب كما يدّعون.