بعد أسبوع على الجريمة من قتل باسكال سليمان: اللاجئون أم غياب الدولة؟
أبريل 15, 2024
A-
A+
هزّت جريمة اغتيال المسؤول بحزب القوات اللبنانية في جبيل “باسكال سليمان” الشارع اللبناني، وألقت بظلالها على سائر التفاصيل اليومية في حياتنا، وصرنا نسأل بعضنا بعضًا: من سيلحقُ بسليمان أولًا؟
وقد تردد هذا السؤال مرارًا في أحاديثنا المغلقة على مدار السنوات الماضية، خصوصًا في ظلّ ارتفاع معدلات الجريمة بعد الانهيار الاقتصادي والأمني والسياسي عشية نهاية العام 2019، حين سلّمت الدولة رقابنا إلى المجهول..
بيد أن المروّع في ما حصل هذه المرة هو سطحية الرواية التي خرجت إلى العلن بعد التحقيق مع عدد من اللاجئين “السوريين”، حيث قال بيان الجيش إنّ ثلة من هؤلاء حاولوا سرقة سيارة باسكال، لكنّهم فضّلوا خطفه من جبيل إلى الداخل السوري، بعد قتله ومصادرة جثته!
فما مدى “معقولية” هذه الرواية؟ وهل بات اللاجئون علّاقة الفشل اللبناني الرسمي؟
الرواية مطعون بصحتها على لسان القوات!
لم يقتنع حزب القوات اللبنانية – على مستوى قيادته – بما جاء في بيان التحقيقات الأولية، وهو وإن سلّم الملف للقوى الأمنية وللجيش، أكّد أن جريمة الاغتيال والخطف لم تكُن بريئة من البُعد السياسي، واعتبرها جريمة سياسية حتى إشعار آخر.
على المستوى الشعبي، لم يقتنع مناصرو القوات أيضًا بالرواية، وهذا ظهر في آرائهم الواضحة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي تشييع الرفيق القواتي، حيث نددوا بمن اعتبروه أقدم على تأمين الغطاء “الحدودي والأمني” للعصابة الخاطفة، أي حزب الله المعروف بمناهضته للقوات.
ولو أنّه لا دليل دامغًا على ضلوع الحزب في الجريمة، لكنّ عدم اقتناع القوات على المستويين القيادي والشعبي بالرواية بحدّ ذاته يدين استهداف عدد من مناصريها للاجئين السوريين “عشوائيًا” في جبيل وبرج حمود وغيرها..
تساؤلات محرجة للسلطات اللبنانية..
على الصعيد الرسمي، ولما كانت السلطة اللبنانية قد سارعت إلى تحميل المسؤوليات للاجئين السوريين في لبنان بالجملة وطالبت بتنفيذ القوانين الصارمة بحقهم، نسأل:
من بدأ باستقبال هؤلاء ورحّب بهم في العام 2011، ومنع تنظيم إقامتهم في مخيمات “حدودية” تراعي الظروف الإنسانية؟ أليست الحكومة اللبنانية آنذاك والقوى السياسية مجتمعة!
من حجّ إلى دمشق العام الماضي ملتقيًا عددًا من المسؤولين السوريين، والذين أطلقوا وعودًا وهمية بإعادة اللاجئين؟ ألم تكن حكومة تصريف الأعمال اللبنانية!
ثمّ من يمنع السوريين من العودة إلى بلادهم، إذا أغفلنا الظروف الأمنية والاقتصادية في سوريا؟ أليس التدخل اللبناني “المسلّح” في بلادهم إبّان العام 2011!
وسؤال برسم السلطات المعنية: أين اللبنانيون الضليعون في الجريمة وفق التسريبات؟ وما هي انتماءاتهم؟ ومن يغطّيهم؟ وكيف وصلوا بالجثمان مع شركائهم السوريين إلى مناطق النفوذ المعروفة!
المعارضة اللبنانية مدعوّة إلى التعقل!
على المقلب الآخر، فإنّ المعارضة التي تقودها اليوم “القوات والكتائب وقوى التغيير” مدعوّة إلى مراجعة تصريحاتها السابقة وإلى مقاربة الرواية الرسمية بعقلانية، قبل تحميل اللجوء السوري مسؤولية الجريمة وعبء الانهيار الأمني في لبنان.
لقد دعت المعارضة في 2011 إلى استقبال اللاجئين الذين فرّوا من النزاع المسلّح بسوريا خوفًا على حياتهم، لأنّ “البعث” لم يترك مجالًا لمعارض ولا لمحايد.. فما الذي تغيّر بعد كل هذه السنوات؟ هل تبدّل النظام أو تغيرت الظروف؟
لم يحصل أي من ذلك، ومناطق المعارضة السورية لا سبيل للوصول إليها إلا بالتنسيق مع تركيا، وهو ما يرفضه لبنان الرسمي كرمى لعيون النظام؛ هذا في شقّ العودة السورية.
وفي جزئية التفلت الأمني: هل يستطيع اللاجئون، الذين يتشارك “غالبيتهم” مع القوات في مناهضة البعث، تأمين السلاح بسهولة وعبور الحدود بسليمان مقتولًا ومخطوفًا؟ وهل الحدود الصفراء لبنانيًا والنظامية سوريًا ستسمح لهؤلاء بالعبور ببساطة؟ لا يمكن لهذه الفئة أن تقوم بذلك، ولا يجوز تحميلها المسؤولية.
تسليم بالضغط السوري على لبنان ولكن..
ومما لا شكّ فيه أنّ الضغط الاقتصادي والأمني الذي أنتجه الوجود السوري في لبنان يشكّل تحديًا معينًا للواقع اللبناني، لكن هل يؤاخذ اللاجئون جميعًا بجرم عددٍ محدودٍ منهم؟ وهل يُسأل السوريون عن الانهيار الاقتصادي والفلتان الأمني وغياب الدولة لصالح الدويلات؟
وفي حين لا يستوي هذا القياس بأي حال من الأحوال، فإن الدولة مدعوة إلى إنزال أقسى العقوبات بالمجرمين الفعليين أيًا تكن خلفياتهم وجنسياتهم. كما إلى تحمل مسؤولية ضبط الحدود وتثبيت الأمن وبسط سلطتها في سائر القطر اللبناني، ولتسوية أوضاع اللاجئين بالتنسيق مع مفوضية الأمم المتحدة.
الشوارع اللبنانية وقياداتها مدعوة بدورها إلى تحكيم لغة العقل وحقن دماء اللاجئين وصون كراماتهم، والبحث عن الجهة المستفيدة من عملية الاغتيال، حتى لا يضيع دم الفقيد في حفلة الجنون الحالية.
العزاء لعائلة سليمان ولرفاقه، والراحة لروحه، والقيامة للبنان!
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي