سَلبَطة باسم الله

مايو 10, 2025

A-

A+

في لبنان، حين يُذبح الشعب على عتبة المصرف وتُسرق أموال التقاعد باسم “السيادة”، لا نسمع للمركز الكاثوليكي همسة. لكن، حين تجرؤ الكوميديا على تشريح جثة الدولة المهترئة، ينقلب الدفاع عن “المقدّسات” إلى هستيريا أخلاقوية لا تُخفِي عجزاً وجودياً فحسب، بل تواطؤاً ضمنياً مع جريمة جماعية اسمها: لبنان.

لنبدأ من الأساس: الكوميديا ليست ترفاً فحسب، بل هي أيضاً فنّ للنبش في القبح الجماعي. وبرنامج “مرحبا دولة” لا يسخر من الدين، بل من مؤسسات سَحَقت إنسانية هذا البلد باسم الدين. أيها السادة في المركز الكاثوليكي، أنتم لم تُستفزّوا من صورة مخلّص في المخفر، بل من احتمال أن يَرى الناس مخلصاً حقيقياً: مُهاناً، مظلوماً، يشبه الشعب لا قياصرة الكنيسة.

حين يُضحكك شيء، فغالباً ما تكون الحقيقة قد تخفّت في الضحك. فهل تخافون الحقيقة؟ هل تخافون أن يُقال إن الكنيسة في لبنان لم تكن يوماً في صف الفقراء، بل غالباً في حضن الزعماء؟ هل يُزعجكم أن يُعرّى القناع الكهنوتي لتُكشف خلفه المصالح والصفقات؟

لكن فلنكن دقيقين: بيانكم لا يدافع عن “الدين”، بل عن صورة متخيّلة له، صورة مُقلمة، مهذبة، بلا دم، بلا صليب، بلا جلد ولا صراخ. صورة تصلح للبرلمان لا للجلجلة. أما يسوع الحقيقي هل تعرفونه؟ فقد طرد تجار الهيكل بعصا، لا ببيان علاقات عامة.

أنتم، في الحقيقة، تدافعون عن امتيازاتكم. فالسلطة الدينية في لبنان لطالما كانت شريكاً في تصنيع الخوف: الخوف من الآخر، من النقد، من الفن، من كل ما لا يمكن ضبطه تحت نير الطاعة. “مرحبا دولة” أزعجكم لأنه أخرج الوحش من القفص، وجعله يرقص.

وإن كانت حرية التعبير تُزعجكم، فكيف تسكتون عن الشتائم الطائفية في المنابر؟ عن قنوات تخلط بين الله والدواء والسياسة؟ عن رجال دين يمسحون أكتافهم بأحزاب تَحكُم وتنهب وتقصف؟

لماذا لم نرَ المركز الكاثوليكي للإعلام حين شُرّدت عائلات؟ حين أُقفلت المدارس المسيحية على أولاد الفقراء؟ حين قُتلت الحقيقة في انفجار المرفأ؟ هل الضحك هو فقط ما يهين الله؟ أم أن الله يُهان كل يوم، وأنتم صامتون؟

ما يخيفكم حقاً، هو أن الكوميديا تملك قدرة سحرية على تعرية النظام. والمقدسات في لبنان، ليست دينية، المقدسات عندكم هي النظام الطائفي. لذلك يصبح الضحك عليه جريمة.

وفي كل نظام سلطوي، يُستدعى الدين لا لحماية القيم، بل لضبط المخيّلة. ويبدو أن الكنيسة في لبنان، كما الدولة، تُحب الصمت، وتخاف من الخيال. الرقابة باسم المقدّسات ليست حرصاً على العقيدة، بل قلقاً من فقدان السيطرة على المعنى. والدين حين يتحوّل إلى أداة رقابة، يفقد روحه ويصير شبحاً أمنياً.

في التاريخ، كل فنان تجرّأ على المقدّسات قُوبل بالحرائق، لكننا ننسى أن الله نفسه، في الكتب السماوية، لم يُخاطب إلا عبر الرموز، الأحاجي، القصص، أي عبر فنّ البلاغة لا منطق الدولة. فهل صار الفن الآن عدواً لله؟ أم أنه العكّاز الأخير للحق حين تصير السلطة باسم الله أداةً للابتزاز والكمّ؟

حين يُمنع برنامج ساخر لأنه تجرّأ على المسلّمات، فنحن لا ندافع عن المقدسات، بل نعيد إنتاج محاكم التفتيش.

والله، لو كان يخاف من السخرية، لما خلق الإنسان حرّاً.

وفي الختام، أقولها بأسلوب كوميدي خالص: إذا كان الله بيننا اليوم، فربما سيكون هو أوّل من يضحك على “مرحبا دولة”، لا لأنه يسخر من ذاته، بل لأنه يعرف أن الحب الحقيقي يبدأ بالجرأة على تفكيك الأصنام، لا بتزيينها.

يعني بيانكم أيها السادة يعرّيكم، فمن يكتب علناً  في بيانه أنه ضد “تشويه صورة رجال الدين”

يعترف ضمنياً، بحقيقة أن السخرية لم تكن يوماً على الدين أو المعتقدات، بل على الأشخاص الذين يستبيحون لأنفسهم كل شيء بإسم الدين والمعتقدات.

وعليه، مرحبا مركز كاثوليكي!