نهاية الحلم الأميركي الناعم

أبريل 30, 2025

A-

A+

“القوة هي قدرة الدولة على إقناع الآخرين بالتصرف وفق إرادتها من دون اللجوء إلى العنف أو الإكراه”، وفق أستاذ العلوم السياسية جوزيف ناي، الذي شدد على دور الثقافة والقيم والدبلوماسية في تشكيل ملامح السياسة العالمية.

في أعقاب الحرب العالمية الثانية وخلالها، شرعت الولايات المتحدة الأميركية في تبنّي سياسة القوة الناعمة بهدف احتواء التمدد الشيوعي في أوروبا، فاعتمدت على التبادلات الثقافية والتراثية، وقدمت المساعدات الخارجية وأسهمت في بناء مؤسسات دولية، ما عزز صورتها كأرضٍ للطموح والديمقراطية والحرية.

منذ ذلك الحين، اعتمدت هذه المنظومة نهجاً يقوم على استقطاب الدول إلى صفّها وتعزيز نفوذها وسلطتها داخلها، من دون الحاجة إلى استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية المباشرة.

بعد سنوات من تبنّي سياسة القوة الناعمة، جاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب ليُثير استياء الكثير من حلفاء الولايات المتحدة بسبب نهجه المتطرف وسياساته المتشددة القائمة على شعار “أميركا أولاً”. فشكّلت مواقفه تحوّلاً في الدبلوماسية الأميركية نحو نزعة أحادية، مفضّلاً القوة الصلبة على التعاون الدولي في صياغة القرارات.

فرض ترمب رسوماً جمركية على حلفاء بلاده، وانحاز إلى دعم روسيا على حساب أوكرانيا، وقلّل من أهمية حلف الناتو، موجهاً إهانات علنية إلى كندا والمكسيك، كما هدد كلاً من غرينلاند وبنما.

وشكّلت قناة بنما محوراً أساسياً في سياسات ترمب الخارجية، باعتبارها رمزاً تاريخياً للنفوذ الأميركي في أميركا اللاتينية، إذ عبّر عن قلقه من إدارتها الحالية، واعتبر الرسوم المفروضة من قبل بنما غير منصفة للولايات المتحدة. وأبدى رغبته في استعادة السيطرة الأميركية على القناة، في ظلّ تنامي النفوذ الصيني في المنطقة.

إضافةً إلى ذلك، قلّص ترامب من انخراط الولايات المتحدة في المنظمات الدولية، من خلال الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، واليونسكو، ومنظمة الصحة العالمية، متذرّعاً بأولوية المصالح الوطنية. كما أجرى تخفيضات كبيرة في ميزانية المساعدات الخارجية، مستهدفاً الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، التي تُعنى بملفات أساسية مثل الصحة والتعليم ومكافحة الفقر في مناطق تمتد من أميركا اللاتينية إلى أفريقيا وجنوب شرق آسيا، بحجة الحد من الهدر المالي. عدا عن  مهاجمته للمعايير والمؤسسات الديمقراطية في الداخل.

وبذلك، يكون ترمب قد تخلّى فعلياً عن أدوات القوة الناعمة، ما ألحق ضرراً بسمعة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، وأدى إلى تآكل ثقة العالم بها، فاتحاً المجال أمام قوى أخرى، كالصين، لملء الفراغ في قيادة السياسات العالمية.