الجنوب اللبناني.. جراحٌ عميقة خلّفتها القنابل الفوسفورية
أبريل 24, 2024
A-
A+
في عمق جنوب لبنان، تنبثق قصة صمود ملهمة، تحكيها الأرض والأشجار المحترقة، والنهر الذي يجري وسط الخراب. إنها قصة البيئة التي تواجه تحديات الحرب والعدوان، وظلت ترفع راية الصمود والتحدي بفخر وإصرار.
عندما تتحدث الجبال، يروون لنا قصصًا عن الصمود في وجه العدوان، وعن الجراح العميقة التي خلفتها القنابل الفوسفورية، ولكن أيضًا عن الأمل الذي تولده الإرادة القوية في ظل هذه الظروف القاسية، يظل الجنوب اللبناني يتحدى الصعاب.
لقد شهد الصراع العربي الإسرائيلي وتحديداً الصراع اللبناني الإسرائيلي العديد من الإنتهاكات الدولية والإنسانية التي هي أكثر من أن تُعَد أو تحصى، فهذه الإنتهاكات لم تقتصر على المجازر البشرية التي يرتكبها العدو الإسرائيلي بصورة يومية، بل تعداه من عدوان على البشر، فالحجر، ليمتد إلى الأراضي الزراعية وذلك ضمن سياق ممنهج للتدمير وتهجير أبناء الجنوب.
فكما أشارت أحدث الأرقام لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية حول عدد الخسائر البيئية وتصاعد الأعمال العدائية في جنوب لبنان لتصل الى 790 هكتار من الأراضي المتضررة وفقاً لوزارة البيئة، و340 ألف من الحيوانات زراعية (طيور ودواجن وخلايا النحل) وفقاً لوزارة الزراعة، و9 مرافق للمياه تم تدميرها ليتأثر حوالي 100 ألف من السكان، ناهيكم عن الـ72% من المزارعين خسروا مصدر دخلهم وفقاً لمنظمة الفاو.
فإن هذا العدوان يأتي ضمن سياق عدواني متكامل وذلك للإمعان أكثر وأكثر في ضرب القطاع الزراعي وبالتالي التأثير السلبي على الإقتصاد الوطني تحديداً في الجنوب اللبناني الذي يرتكز بشكل أساسي على القطاع الزراعي. وكيف لنا أن ننسى خسارة أكثر من 40 ألف شجرة زيتون بعدما أحرقت بالكامل، ووفقاً لبينات الأمم المتحدة يتم زرع الزيتون على أكثر من 20% من الأراضي الزراعية في لبنان بحيث أنه يوفر دخلاً لأكثر من 110 آلاف مزارع وكما أنه يمثل 7% من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي للبلاد. فبعد القضاء الإسرائيلي على أشجار الزيتون، “رح يبقى غير شكل الزيتون؟” كما قالت فيروز؟ وتحديداً بعد تصريح رئيس تجمع مزارعي الجنوب “محمد الحسيني” على عدم قدرة الحكومة اللبنانية التعويض للمزارعين عن الخسائر في ظل الأزمة المالية.
لا شك بأن الخسائر ضخمة للغاية من خلال القضاء الكامل على عشرات الآلاف من الدونمات الزراعية نتيجة القصف الإسرائيلي المتعمد بالفسفور الأبيض، ويأتي تعمد الجيش الإسرائيلي لإستعمال هذا النوع من الفوسفور نظراً لتأثيره على صعوبة إستعادة الإنتاج بسرعة وبالتالي سيتطلب الأمر عدة سنوات لإستعادة الأرقام إلى ما كانت عليها.
فعلى الرغم من تحريم إستخدام الفوسفور الأبيض دولياً وإعتبار استخدامه جريمة دولية يعاقب عليها القانون الدولي، غير أن العدو الإسرائيلي يمعن في استخدامه من خلال إعتماد سياسة الأرض المحروقة لإدراكه ويقينه بالتأثير السلبي لهذا الفوسفور على التربة والجوف والأرض والمياه السطحية مروراً بالإشجار المثمرة.
قد يتساءل سائل ما أهمية الحديث عن العدوان الإسرائيلي على الأراضي الزراعية؟ وما أهمية دراسة الوضع البيئي في الجنوب؟ فبالرغم من التحديات يتمتع الجنوب اللبناني بميزة بيئية فريدة حيث تتنوع المناظر الطبيعية بين الجبال الخضراء والشواطئ الرملية، وتعتبر هذه المناطق موطنًا للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية النادرة، مما يجعلها محط أنظار للعديد من عشاق الطبيعة والسياح على حد سواء. فإن هذا الغنى البيئي يكرس محميات طبيعية جديدة في جنوب لبنان، حيث أقرت لجنة البيئة النيابية ثلاث محميات جديدة في الجنوب اللبناني وهي محمية العباسية البحرية والتي هي امتداد لساحل صور، ومحمية في النميرية قرب النبطية، ومحمية جبل الريحان للحفاظ على الأحراج من تمدد الكسارات والمرامل. فهل هذه المحميات هي بالفعل محمية من الإنتهاكات الإسرائيلية؟
بالإضافة إلى جماليتها الطبيعية، يتميز الجنوب اللبناني بمعالم تاريخية وثقافية غنية وغير معروفة للكثيرين. تشمل هذه المعالم القلاع القديمة، والمواقع الأثرية، والقرى التقليدية التي تحافظ على تراثها رغم الصعوبات التي تواجهها. وهنا لا بد من ذكر القلعة البحرية في صيدا التي تعود الى القرن الـ15 والذي يجعلها الأهم من بين معالم صيدا ووضعها على قائمة الأماكن السياحية في جنوب لبنان الأولى بالزيارة بفضل النظرة البانورامية الساحرة التي تخلقها للمدينة.
وأيضاً خان الفرنج الذي يعتبر من أشهر المناطق السياحية في جنوب لبنان، ويرجع تاريخ السوق للقرن 17 حيث أسسه الأمير فخر الدين خلال فترة حكمه لصيدا ولا يزال يحتفظ بطرازه الأثري المُستمد من الثقافة المعمارية العربية والإسلامية. كما يُعد معبد إشمون من أهم الأماكن السياحية في جنوب لبنان مُوصى بزيارتها لكونه المعلم الوحيد المُوثّق لعصر الحضارة الفينيقية في لبنان. يكمن السؤال هنا، هل سنستطيع الحفاظ على هذه المعالم وغيرها؟ أم أن العدوان الإسرائيلي يضعها ضمن مخططاته للقضاء ليس فقط على بيئتنا إنما أيضاً على حضارتنا وثقافتنا؟
الآن وبعد عرض بسيط عن مدى تأثير العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني وتدمير نظامنا البيئي بصورة كاملة واستخدامه لسلاح هو محرم دولياً، ألم يحن الوقت لإتخاذ المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي قراراً إلزامياً لردع اسرائيل ومنعها من إستخدام هذا السلاح وغيره من الأسلحة المحرمة دولياً سيما وأن الحكومة اللبنانية قد سبقت وتقدمت بعدة شكاوى بهذا الخصوص.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي