أنطون سعادة وحزبه بعد 75 عاماً
يوليو 11, 2024
A-
A+
احتفل الحزب السوري القومي الاجتماعي قبل أيّام بالذكرى الـ75 لإعدام زعيمه أنطون سعادة. وكالعادة، كانت هناك استعراضات شبه عسكرية، وأداء لتحية “تحيا سوريا ويحيا سعادة”، ورفع لعلم الزوبعة. بالمناسبة، فإن إعدام سعادة – الذي ما كان ينبغي أن يحدث – تم نتيجة مؤامرة انقلابيّة نفذها “الزعيم” بالتنسيق مع حاكم سوريا العسكري حسني الزعيم، لكنّ الزعيم السوري ما لبث أن تخلّى عن الزعيم اللبناني فباعه وسلّمه للسلطة في بيروت. يُذكر أنّ حسني الزعيم هو من نفّذ الانقلاب العسكري الأوّل في سوريا المستقلّة، ولم يحكم سوى أربعة أشهر. وكان من المرغوب أن ينفّذ أنطون سعادة الانقلاب الأوّل في لبنان المستقلّ، ولكنه لم ينجح في أن يحكم ولو لأربعة أشهر، فعاد حزبه مرة أخرى إلى ممارسة احترافه الانقلابي الفاشل، من خلال محاولة الضابطين القوميّين فؤاد عوض وشوقي خير الله الاستيلاء على السلطة. هذا الحب للانقلابات والاغتيالات الذي عُرف به الحزب يوضح الكثير عن طبيعته.
ومن المثير للاستغراب في يومنا هذا أنّ الكثير من اللبنانيين الذين احتفلوا بالانتخابات الفرنسية الأخيرة وبمنع الحزب شبه الفاشي لمارين لوبن من الفوز بالكتلة النيابية الأولى، كانوا هم أنفسهم يشاركون القوميّين السوريّين تكريمهم لإعدام زعيمهم الفاشي. والحقيقة أن القوميّين السوريّين ينفون الفاشية بقوة عن أنفسهم وعن زعيمهم ويزعمون أنّهم جزء من يسار ديمقراطي ما، والأغرب أن هناك يساريين يشاركونهم هذه المحاولة البائسة ويردون التشابه بينهم وبين الحزب النازي الألماني إلى مجرد صدف. فمجرد صدفة أن يسمى مؤسس الحزب زعيماً، والفوهرر بالألمانية تعني الزعيم؛ ومجرد صدفة أن ينص قسم الانتساب في الحزبين على إعلان الولاء للزعيم مدى الحياة.
ومجرد صدفة أن يعتمد القوميّون علم الزوبعة شديد الشبه بالصليب المعقوف النازي؛ ومجرد صدفة أن تكون الاستقالة ممنوعة في الحزبين، وأن يفرض الانتساب الحزبي على المنتسب جعل أفراد عائلته أعضاء في الحزب ورفع إشارات الحزب وشعاراته في بيت العائلة؛ ومجرد صدفة أن يتبنى القوميّون السوريّون مبدأ “المدى الحيوي” النازي ويعتبرون جزيرة قبرص المدى الحيوي لما يسمونه الأمة السورية؛ ومجرد صدفة أن ينقل أنطون سعادة موقف هتلر من اليهود بوصفهم طفيليات لا تندمج في المجتمعات بل تمتص دماء أبنائها؛ ومجرد صدفة أن ينقل زعيمنا عن زعيم الألمان خرافاته حول السلالات والجماجم. هذه ليست صدفاً إلا في أنظار مخبولين، أو أشرار، أو سذج. والمتعاطفون مع الأحزاب الفاشية هم خليط من مخبولين وأشرار وسذج.
هل يمكن لأي كان أن يجد ما يجذبه في الدعوة إلى أمة سورية تكون من ضمنها جزيرة قبرص؟
والحقيقة أنّ القومي فقد مبرّرات وجوده قبل سنوات عديدة. فالأحزاب الدينية والطائفية تملك مبرّراتها عند بعض أبناء أديانها وطوائفها، وكذلك الحركات الشيوعية تملك مبررات التعويل على تغيير الأوضاع الاجتماعية بصورة جذرية. لكن هل يمكن لأي كان أن يجد ما يجذبه في الدعوة إلى أمة سورية تكون من ضمنها جزيرة قبرص؟ الفصائل الفلسطينية، ومن بعدها قيادات الأمن السوري، أبقت القومي على قيد الحياة عبر إمداد القوميين السوريين بالدعم من أجل أن يبقوا أداة تخريب للمجتمع اللبناني وتخويفه عندما يكون مطلوباً تخويفه. لكنّ هذا لا يكفي لإبقاء الحزب طرفاً فاعلاً وقوياً وجديّاً، ولهذا السبب نراه الآن مجموعة شلل مبعثرة ومتصارعة على وجاهات وغنائم صغرى، حيث يفضل بعض تلك الشلل دمشق على حارة حريك، وبعضها الآخر يفضل حارة حريك على دمشق، وكلها تفتعل البكاء على رجل نسي اللبنانيون اسمه هو أنطون سعادة.
الأكثر قراءة
- أنطون سعادة وحزبه بعد 75 عاماً فريق منصة نقِد
- مطار “الحزب” الجديد على أراضي الرهبنة: قضم أراضي الأوقاف المارونية فريق منصة نقِد
- “مات شعبي على الصليب”: 108 سنوات على مجزرة kafno و sayfo فريق منصة نقِد
- قصة “السلطان جبران” الذي أصبح مليارديراً خلدون جابر