والقصة انتهت بموت أبطالها

أبريل 26, 2025

A-

A+

في عرض مكرّر لا جديد فيه، اعتلى الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم منبره ليعيد اجترار ما يسميه “ثوابت لا نقاش فيها”، تتقدّمها قدسية السلاح وشرعيته المُطلقة تحت عباءة “المقاومة”. وكعادته، لم يخلُ خطابه من جرعتين أساسيتين: تهديدٌ أجوف لا يسمن، ووهمٌ يثير الشفقة، كأنه يحاول إقناع نفسه قبل الآخرين بأن الوهم لا يزال واقعاً، وأن الصوت العالي يغني عن مشروعيةٍ ضائعة.

فعلياً، لا يوجد ما يستحق الرد أو حتى مناقشته، لكن هناك نقطتين لا بد من توضيحهما:


أولاً، شدد قاسم في خطابه على أن فكرة نزع السلاح يجب أن تُمحى من القاموس؛ إلا أنه في الواقع ما سيُحذف من القاموس، ويُقمع من لبنان، هو سلاح حزبه.

أما فيما يتعلق بالإنجازات التي سردها لنا، فهي لا تتعدى كونها خيالات تُنسج في أذهان أمثاله. لذلك، فلنتوقف لحظة، ولنتذكر معاً ما فعله هذا السلاح، ولنعرض حقيقة ما ارتُكب:

هذا السلاح صادر قرار الدولة واغتال مؤسساتها، وقسّم الوطن إلى معسكرات طائفية ومربعات أمنية. هو الذي جرّ لبنان إلى حروبٍ لم يخترها شعبه، وكان له يد في تدمير بيروت يوم سُرقت بتفجير لم يُحاسب عليه أحد. هو نفسه الذي خرّب علاقات لبنان مع أشقائه، وأغلق الأبواب في وجه مستقبله، وهو الذي حوّل “المقاومة” إلى شعار أجوف، يُبرّر الفساد والهيمنة والقتل، كما زرع الخوف بدلاً من الكرامة، واستبدل الحرية بالذل، وألغى السيادة مقابل العزلة.

هذا السلاح لم يحرر أرضاً، بل احتل قراراً؛ ولم يحمِ شعباً، بل قمع صوتاً؛ ولم يبنِ وطناً، بل هدم الوطن حجراً حجراً.

ولم يقتصر قاسم على “طرح فكرة نزع السلاح من القاموس”، بل استمر في تهديد من يسعى لنزع السلاح، معتبراً أن ما سيحدث هو مواجهة مشابهة لتلك التي خاضها الحزب ضد إسرائيل. بهذا التصريح، يبدو أن قاسم يوجه تهديداً مباشراً إلى رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، والكثير من النواب واللبنانيين الذين يطالبون بإزالة السلاح.

ثانيًا، أصبح تكرار خطاب التخوين واتهام كل من ينادي بنزع السلاح بأنه يخدم إسرائيل مسرحية مكشوفة وسخيفة. في الحقيقة، لا أحد خدم إسرائيل أكثر من حزب الله. هذا الحزب يمثل الهدية المستمرة لإسرائيل منذ أكثر من عقدين. إذا كانت إسرائيل عدواً، فإن أكبر من قدم لها الخدمات ليس من يدعو لبناء دولة عادلة وسيّدة، بل من دمر الدولة من داخلها تحت شعار “المقاومة”. وبخصوص ادعائه بأن المطالبة بنزع السلاح تزرع الفتنة، لا شك أن من يهدد لبنان بمعظم مكوناته باستخدام سلاحه هو من يصنع الفتنة ويخلقها.

وعلى الرغم من محاولات الحزب المستميتة للتمسك بالهيمنة، إلا أن الواقع يتغيّر. فالدولة بدأت تستعيد قرارها، وملامح السيادة تعود تدريجياً، والأهم أن قرار نزع السلاح غير الشرعي لم يعد مؤجلاً.

والتطورات لا تقتصر على السلاح فحسب، بل تتعداها إلى جميع جوانب الدولة. فبعد عقود من التعطيل، تم إعادة تفعيل الهيئة الناظمة للطاقة، وبدأ المطار يخضع لعمليات تأهيل تتناسب مع مكانة لبنان. كما عزز الجيش إجراءاته، مؤكداً هيبة القانون، في حين بدأ الشارع اللبناني يستعيد حيويته مع إزالة الشعارات الحزبية. هذه التحولات السريعة تؤكد أن قبضة الحزب على مفاصل الدولة قد بدأت في التراجع، وأن لبنان، وإن كان ببطء، يسير نحو استعادة سيادته.

وبعد عقود من هيمنة حزب الله على لبنان، يمكن استنتاج أن الشرف لا يُباع في أسواق الصفقات، والمقاومة الحقيقية لا تكون وظيفة مرتبطة بإملاءات “ولاية الفقيه”، بل تكون حيث يكون قرار الدولة، وحيث يكون السلاح في يد مؤسسة شرعية واحدة، لا في يد حزب يرى في نفسه دولة فوق الدولة.

لقد انتهى زمن الشعارات، والمعركة اليوم ليست مع حزب الله فقط، بل مع الفكرة التي فرضها على لبنان: كدولة ناقصة السيادة، مؤجلة الاستقلال، ومعطلة المؤسسات.

المعركة بدأت، ولن تتوقف حتى يستعيد اللبنانيون بلدهم بكامل سيادته، لا تحت فوهة البندقية، بل تحت راية القانون، العدالة، والدولة.