


الحكومة والشارع، الإقصاء أم الاحتواء؟
فبراير 17, 2025
A-
A+
ليس تفصيلًا أن يتحرّك الشارع مرتين في فترة قصيرة مع بداية عهد العماد جوزف عون، العهد الذي لم يرقَ للثنائي الشيعي والتيار البرتقالي. فقرّر الأول الاحتماء خلف شعار “الميثاقية”، متناسيًا تجربة حكومة الرئيس السابق نجيب ميقاتي التي كادت أن تخدش هذه الميثاقية، لولا وجود حلفاء سنّة ومسيحيين للثنائي.
المشهد الأول كان بانوراميًّا، بعدما تصاعدت حملات المعارضة السياسية وبعض القوى التغييرية ضد توزير ياسين جابر كوزير للمالية، ما أدى إلى خروج مسيرات جابت مناطق ذات خصوصية طائفية وسياسية وثقافية، من الجميزة إلى ساقية الجنزير وعين الرمانة. ورغم محاولة الرئيس نبيه برّي التنصل بذكاء من هذا المشهد، جاء التنصّل المتأخّر من حزب الله عبر كلمة مسجّلة لأمينه العام الشيخ نعيم قاسم.
أما المشهد الثاني، فكان أشبه بـ”احتلال”، بتعويم لـ7 أيّار جديد، والتلويح به بسبب طائرة. وعاد خلط الأيديولوجيات ليتحكم بجمهور ينتظر ما تبقى له من تعويضات في دولة تنتظر حكومتها نيل الثقة، لتبدأ وزارة الأشغال بتلزيم الشركات المخصّصة لرفع الأنقاض والتفكير الجدي بإعادة الإعمار.
المفارقة اليوم أنّ رئيسي الجمهورية والحكومة، اللذين تعهدا بعدم الإقصاء، باتا أمام امتحان حقيقي: هل يتمسّكان بسياسة الاحتواء، أم ينجرّ الجميع نحو إقصاء الخاسر، في ظل الاصطفافات السياسية المتوترة والحروب المتنقلة؟
لا صوت يعلو فوق صوت الشارع؟
بمعزل عن المسيّرات الإسرائيلية التي استهدفت بوحشية ليل أمس مناطق جنوبية (ياطر – زبقين) وأخرى شمال الليطاني (يحمر البقاعية)، كان لافتًا انتشار الجيش اللبناني في الشوارع كقوة راصدة، تتابع ما يجري من خراب ومحاولات تخريب، وسط إغلاق طرقات مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي، الشريان الحيوي للبنانيين والأجانب.
في الساعات الأولى، أثار هذا المشهد إحباط بعض الناشطين والمراقبين، الذين اعتقدوا أن الجيش ما زال ضعيفًا، وأنّ “حليمة عادت لعادتها القديمة”. لكن التدخّل الصارم منتصف الليل، من الجيش وقوى الأمن الداخلي، وارتفاع “صوت الكفّ في الشارع”، أسقط معادلة حاول الجمهور “العفوي” الترويج لها، وهي أنّ “لا صوت يعلو فوق صوت الشارع”.
السؤال الذي فرضته هذه التحركات يتقاطع مع زيارة نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، التي شكرت إسرائيل على هزيمة حزب الله. رد الفعل اقتصر على تحرّكات خجولة، أبرزها رفع أعلام على طريق المطار، ما يطرح تساؤلًا: هل هناك “انتهاك بسمنة وانتهاك بزيت”؟ وهل يُعتبر التحرك لأجل طائرة أثارت شبهات الأجهزة الأمنية انتهاكًا أقل خطرًا من غيره؟
منطق الاحتواء الحكومي
التحركات الحزبية ليل أمس شكّلت اختبارًا لوزير الداخلية ورئيس الحكومة، وقبلهما لقائد الجيش جوزف عون. جاءت هذه التحركات ردًّا على من يدعم فكرة إقصاء الثنائي الشيعي من الحكومة، ومن هدّد بحجب الثقة إذا نال ياسين جابر حقيبة المالية، أو إذا مُنح الثنائي الشيعي وزيرًا خامسًا.
تشكيلة نواف سلام الحكومية، التي دخلت مرحلة التأليف، لم تسلم من التلويح بـ6 شباط جديد و7 أيّار، بدءًا بمنشور الصحفي والأكاديمي قاسم قصير تحت عنوان “مصادر مطّلعة تقول”، مرورًا بهتافات الدراجات النارية “شيعة شيعة شيعة”. ولو كانت الظروف مهيأة لإقصاء الثنائي، لكان اللبنانيون اليوم أمام خطر سقوط بلدهم في أتون العنف، والعودة إلى نقطة الصفر.
عند كل تحرّك مشبوه، وكل تهديد بفرض الترهيب على الشارع، يبقى التمسك بالدولة وسيادتها وعهدها الجديد هو الأمل الوحيد للبنانيين. فالمنطقة مقبلة على تحديات كبرى، وطوفان الأحداث ينقلب على الجميع، بمن فيهم أولئك الذين مهّدوا له في البداية.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي