سوريا والعالم العربي: شروط التطبيع على دم المآسي
أبريل 3, 2023
A-
A+
منذ اندلاع الأزمة السورية في العام 2011، توترت العلاقات بين سوريا والعديد من الدول العربية. وكان تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية في نوفمبر 2011 علامة واضحة على العزلة الاقليمية التي وصل اليها النظام السوري بالإضافة الى الإدانات التي لحقت بهذا النظام اثر الحملة العنيفة التي استهدفت المتظاهرين والمجموعات المعارضة. خلال العقد الماضي، تفاقم الوضع في سوريا بسبب الحرب الأهلية المدمرة التي اظهرت انتهاكات كبيرة لحقوق الانسان. مع ذلك، في الآونة الاخيرة، ظهرت بعد الاشارات التي تشير الى امكانية التقارب بين سوريا وبعض من جيرانها العرب، كما ان عودة سوريا الى الجامعة العربية أصبحت ممكنة. فيبقى السؤال إن كان هذا الإجراء يخدم مصالح الشعب السوري والمنطقة. وما هي الشروط التي يجب تنفيذها لاجراء اي عملية تطبيع تكون ذات مغزى وعدالة.
فكرة التطبيع بين سوريا وبعض الدول العربية ليست بالجديدة. لكنها تحركت في العام 2018 عندما اعادت دولة الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق بعد مضي ست سنوات على اغلاقها. واعتبر هذا الاجراء علامة على حدوث تحولات في التحالفات والمصالح في المنطقة، بحيث تسعى بعض الدول الخليجية الى احتواء النفوذ الايراني وتنويع علاقاتها الخارجية خارج النطاق العربي التقليدي.
كما ان اعربت كل من مصر، البحرين والاردن رغبة في التطبيع مع سوريا حيث أرسلت جميعها وفوداً واستأنفت الاتصالات الدبلوماسية مع حكومة النظام السوري، وخصوصاً بعد الزلزال الكبير الذي ضرب الشمال السوري.
هناك عدة عوامل تفسر الاهتمام بسوريا من جديد لدى بعض الدول العربية، بما في ذلك الروابط الاقتصادية، المخاوف الامنية، الحسابات الجيوسياسية والتوافقات الايديولوجية. على سبيل المثال، تعتبر بعض دول الخليج الأردن وسوريا سوقًا لصادراتهم واستثماراتهم في مرحلة الاعمار الخليجية. بالاضافة الى ذلك، تُعتبر الحكومة السورية عائقًا امام انتشار المجموعات الاسلامية المتطرفة وقوة مستقرة في المنطقة، نظراً للعلاقة التي تجمعها بروسيا وإيران. كما تعتبر سوريا بوابة استراتيجية على البحر المتوسط ومسار عبور لأنابيب الطاقة، مما يقلل من اعتمادهم على مضيق هرمز وقناة السويس.
من ناحية اخرى، تعارض بعض الدول العربية التطبيع مع سوريا، مشيرة الى عدة اسباب كاستمرار النظام السوري بقمع المتظاهرين ولتحالف هذا النظام الوثيق مع إيران. كانت المملكة العربية السعودية مؤيدة قوية للمعارضة السورية واتهمت الحكومة السورية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية. كما انها اتهمت إيران بالتدخل في الشؤون العربية ورعاية الجماعات المسلحة في المنطقة كحزب الله والحوثيين. بالاضافة الى قطر التي كانت حريصة بدورها على انتقاد افعال النظام السوري ودعم المعارضة، الا انها حافظت على علاقاتها مع إيران وتركيا.
في خطوة من شأنها إنهاء “عزلة” سوريا الإقليمية رسمياً، “تعتزم السعودية دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمة العربية” التي تستضيفها الرياض في أيار، بحسب ما نقلت وكالة رويترز عن “ثلاثة مصادر مطلعة”، ولكن تبقى العديد من الدول العربية حذرة من نوايا الحكومة السورية وأفعالها خاصة تجاه شعبها وتطلب هذه الدول بعض الشروط التي يجب تلبيتها من قبل النظام قبل اجراء اي عملية تطبيع وتشمل ايجاد حل سياسي للازمة السورية.
فقد احدثت هذه الازمة معاناة هائلة للسوريين الذين اضطر الملايين منهم الى مغادرة منازلهم واللجوء الى البلدان المجاورة والبعيدة. كما أن هذا النزاع قد جذب قوى اجنبية تدخلت عسكريًا وسياسيًا لصالح الجانبين المتصارعين، مما ادى الى تفاقم درجة العنف وجلب عدم الاستقرار. لذلك يجب ربط اي عملية تطبيع بحل سياسي شامل يتناول الاسباب الجذرية للصراع ويتضمن مشاركة جميع السوريين في تحديد مصيرهم وفي تقرير مستقبلهم. ويجب ان يتضمن هذا الحل نقلة نوعية تؤدي الى اجراء انتخابات حرة ونزيهة واطلاق سراح المعتقلين السياسيين ونزع سلاح الميليشيات واعادة بناء البنية التحتية المتضررة، بحسب الشروط العربية.
ان محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الانسان هي شرط آخر اساسي للتطبيع. فقد اتُهمت الحكومة السورية بارتكاب مجازر عديدة، بما في ذلك أستخدامها للاسلحة الكيميائية والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء. لذلك يجب ان تتضمن اي عملية تطبيع تحقيق ومحاسبة لأولائك المسؤولين عن هذه الجرائم، سواءً كانوا مسؤولين حكوميين او عسكريين او اعضاء في الجماعات المسلحة. فهذه المحاسبة ليست مجرد مسألة تحقيق العدالة للضحايا وحسب بل هي أيضا وسيلة ردع ضد ارتكاب مزيد من الانتهاكات الانسانية في المستقبل.
كما ان اي عملية تطبيع يجب ان تتضمن اصلاحات وانفتاح من قبل حكومة النظام السوري. فلا بد من ان يرافق اي عودة سورية للجوار العربي التزام واضح وفعلي بالاصلاحات السياسية والاقتصادية، بالاضافة الى احترام كل من سيادة القانون وحرية التعبير. من مصلحة سوريا ان تنفتح على العالم وتعمل على الاستفادة من تراثها الثقافي والتاريخي بالاضافة الى موقعها الاستراتيجي.
يبقى سؤال “ما اذا كان العالم العربي قد خان الشعب السوري” مطروحًا وحساسًا. فمن جهة يشعر العديد من السوريين انه تم التخلي عنهم من قبل اخوانهم العرب، الذين كما يعتقد بعض السوريين لم يفعلوا ما يكفي لدعم مطالبهم المشروعة. كما تتهم أطراف سورية بعض الدول العربية بدعم المجموعات المتطرفة التي نشرت العنف والطائفية في سوريا، وباعطاء الاولوية لمصالحهم على حساب الشعب السوري.
من جهة اخرى، يعتبر البعض ان الازمة السورية ليست مسألة عربية وحسب، انما هي مسألة دولية عالمية، تشمل العديد من القوى الخارجية الذين تدخلوا في الشأن السوري. وكشفت الازمة السورية عن انقسام واختلاف عقائدي، طائفي جيوسياسي داخل العالم العربي ادى الى عرقلة اي عمل جماعي والوصول الى اي قرار حاسم. لذلك ان القاء اللوم على العالم العربي وحده أمر غير عادل ويتجاهل العوامل الاساسية المتورطة.
بغض النظر عن من يتحمل اللوم، فان الأزمة السورية اتت بتكلفة باهظة جدا من حيث الخسائر على الصعيد الاقتصادي والبشري والاجتماعي. فإن تقديرات الامم المتحدة تشير الى ان الصراع اودى بحياة اكثر من 400 الف شخص وتشريد اكثر من 12 مليون شخص كما تسبب باضرار تقدر بحوالي الـ250 مليار دولار. يجب ان ياخذ حل الأزمة السورية منحًا يمنع وقوع ازمات مماثلة في المستقبل وهذا يتطلب جهدًا جماعيًا ومنسقاً من قبل المجتمع الدولي والعالم العربي، وذلك لتعزيز السلام والاستقرار في سوريا والمنطقة. ولابد من محاسبة هذا النظام على أفعاله والمجازر التي ارتكبها فالتطبيع مع الاسد ما هو إلا خيانة لدم الشهداء ومعاناة السوريين.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي