فقدان الثقة الايرانية بالنظام السوري: بداية التفاف بشّار نحو الغرب؟

مايو 27, 2024

A-

A+

منذ اندلاع الحرب السّوريّة في العام 2011، تحوّلت سوريا إلى أراضٍ تتقاسمها الجيوش والميليشيات والمجموعات المسلّحة من مختلف الجنسيّات والإرتباطات والأجندات. وكانت الجمهوريّة الإيرانيّة أوّل المندفعين للمشاركة في هذا الصّراع الطّويل على النفوذ والسّيطرة، وإبقاء حليفها الرئيس السوري بشار الأسد في السّلطة، كما إبقاء الممرّ الإستراتيجي آمنًا ومستمرًّا من إيران إلى البحر المتوسّط.

فتمكّن الحرس الثّوري الايراني، بمساعدة حلفائه وأتباعه وفروعه في المنطقة من مجموعات عراقيّة وسوريّة ولبنانيّة، من السّيطرة على قرى ومراكز ومواقع استراتيجيّة، فتمّ بناء بنى تحتيّة وطرق وإنشاءات عسكريّة أرادت الجمهوريّة الإسلاميّة تثبيت إنتصاراتها ونفوذها من خلالها.

كما تمكّن النّظام السّوري بمساعدة الرّوس والإيرانيّين وحزب الله وباقي الحلفاء من تأمين إستمراريّة نظامه ولو لم يكن على كامل الأراضي السّوريّة حيث لا تزال بعض المناطق واقعة تحت نفوذ المعارضة. إلّا أنّه بمجرّد تربّع الأسد في موقعه وظهور بوادر للحلّ والتواصل مع العرب والغرب يضعه في موقع المُنتَصِر ويبقى الحكم على ذلك مؤجّلًا حتى توقيع الإتّفاق الّذي سينهي الأزمة السّوريّة ويضع أسس المرحلة الجديدة.

في ظلّ هذه الأحداث، بدأت تظهر بشكلٍ أو بآخر مؤشّرات تزعزع العلاقات السّوريّة الإيرانيّة، وآخرها كان مع نشر الجزيرة مقالًا نقلًا عن صحيفة نيزافيسيمايا الرّوسيّة يفيد باشتباه إيران بتواطؤ الأسد مع الغرب، وخاصّةً بعد الضّربة الإسرائيليّة على القنصليّة الإيرانيّة في دمشق وحيرة الإيرانيّين من الخرق الإستخباراتي الّذي باتت تؤمّنه اسرائيل على الأراضي السّوريّة والّذي مكّنها من ضرب أهداف إيرانيّة مهمّة وقتل مسؤولين رفيعي المستوى. فالتّحقيقات الإيرانيّة حول الضّربة الأخيرة ما زالت جارية لفهم ملابسات هذه الخروقات ومدى تورّط أجهزة النّظام فيها، وقد طالت هذه التّحقيقات ضّباط وعناصر سوريّين.

ويشير المقال إلى استياء إيران من الموقف الرّسمي السّوري تجاه حرب غزّة المائل إلى الحياد المقصود بهدف “كسب ولاء الغرب”. وهذه العوامل أدّت إلى تقليص المساعدات لنظام الأسد ونقل الكثير من عناصر الحرس الثّوري من مواقعهم بإتّجاه مواقع قريبة من الحدود اللّبنانيّة.

في حديث صحفي لمنصة نقِد، يوضّح الصّحافي السوري المعارض أحمد عبيد، الّذي يتابع هذه الأحداث عن كثب، بعض المؤشّرات الأخرى لفقدان الثّقة بين النّظام السّوري والقوّات الإيرانيّة في سوريا.

فيشير عبيد إلى أن إنزعاج إيراني من التّقارب السّوري العربي ظهر إلى العلن في القمّة العربيّة الـ32 العام الماضي عندما شارك بشّار الأسد في القمّة شخصيًّا وألقى كلمة بصفته رئيس وممثّل الجمهوريّة السّوريّة، لينهي عزلة دامت 12 عامًا. فإيران تعلم جيّدًا أنّ الدّول العربيّة لن تتخلّى عن مطالبة الأسد بفكّ إرتباطاته الإستراتيجيّة مع إيران وخروج النّظام من عباءة الجمهوريّة الإسلاميّة وتحجيم دور الحرس الثّوري وباقي أذرعه في سوريا.

ويضيف “هذا الشّكّ الإيراني تدعمه الوقائع والأحداث على أرض سوريا. ففي العام 2018، حصل إتّفاق يقضي بطرد المعارضة من المناطق القريبة من الحدود السّورية الإسرائيليّة، فانطلقت وقتها حملة عسكريّة على درعا شاركت فيها قوّات النّظام وحلفائها. وباتت هذه المنطقة تحظى بوجود قويّ للحرس الثّوري وحلفائه، إلّا أنّ روسيا المُشارِكة في الإتّفاق بدأت تسيطر، وخاصّةً منذ العام 2023 على المواقع الإيرانيّة مثل موقع تلّ الحارّة وتلّ الجموع حيث كانت تشكّل غرف عمليّات للحرس الثّوري وتمّ تثبيت نقاط روسيّة مكانها”.

ويتابع، بالإضافة إلى تحويل المواقع الإيرانيّة إلى مواقع روسيّة أو تسليمها إلى ألوية سوريّة لدى روسيا اليد في إدارتها وتحريكها، ترتاب إيران أيضًا من عدم تشغيل أنظمة الدّفاع الرّوسيّة ضدّ سلاح الجوّ الإسرائيليّ عند تنفيذ الضّربات ضدّ إيران وحلفائها في سوريا، وهذا يؤكّد من ناحية وجود إتّفاق ضمني روسي إسرائيلي على تأمين مصالح الطّرفين ومن ناحية أخرى على رفع روسيا أي غطاء عن القوّات الإيرانيّة ووجود نيّة لإبعادها عن المشهد”.

وتشير المعلومات الخاصة لـ”نقِد”، إلى أن مؤشّرات عدّة تشكّل أدلّة واضحة على تغيير النظام السّوريّ سلوكه وتعاطيه تجاه إيران ومصالحها. فقد كان لإيران نفوذ في بعض أجهزة الإستخبارات السّوريّة مثل الإستخبارات الجويّة والإستخابرات العسكريّة، إلّا أنّه تمّ استتباع هذه الأجهزة بمكتب الأمن الوطني، أعلى سلطة استخباراتيّة الّذي تحظى فيه روسيا بنفوذ قويّ، ما أبعد يد إيران عن هذه الأجهزة.

وعمل النّظام أيضًا على الحدّ من مظاهر تمدّد الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة مثل التجمّعات الشّيعيّة الموالية للمرجعيّة الإيرانيّة والتّبشير بالمذهب الإثني عشري، بالإضافة إلى منع اللّطميّات ورفع الرّايات الحسينيّة الّتي لازمت كلّ مناسبة شيعيّة موالية لإيران من العراق إلى لبنان.

تتجسّد تحوّلات العلاقة بين النّظام السّوري والجمهوريّة الإسلاميّة في مشهد يبدو متغيّرًا، على الأقل ضمن الأراضي السّوريّة، ويتّضح من خلال التطوّرات الأخيرة تباعدًا بين الطّرفين حول حجم النّفوذ في الملف السّوريّ، ويظهر التفافًا سوريًّا محتملًا نحو الدّول العربيّة والغرب، وتحجيمًا لدور إيران وأذرعها في البلاد. هذا التغيير يأتي في سياق تطلّع عربي وغربي إلى تقليص تأثير إيران في المنطقة، وقد يشكّل بداية لتحوّلات جديدة قادمة على منطقة شرقيّ المتوسّط، وتبقى حرب غزّة اليوم هي الأساس لأنّ أي تغيير في المنطقة سينتظر انتهاء هذه الحرب ووضع كافّة الملفّات على الطّاولة.