مليون و300 الف لاجئ سوري لا يرغبون بالعودة ونحن اكثر من يعرف لماذا

ديسمبر 21, 2022

A-

A+

قبل الغوص في التحليل والتداعيات الاقتصادية، وقبل التكلم عن مدى هشاشة الاقتصاد اللبناني وعدم قدرته على استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين على أراضيه، هناك حقيقة إنسانية لا يجب علينا أن نتناساها: ليس هناك شخصاً عاقلاً على وجه الأرض يحمل حياته في أكياس، يترك منزله وراءه، يترك حارته وأهله ووطنه ليعيش في خيمة صغيرة أو شقة أقرب إلى كوخ، يهاب الشتاء الذي لا يرحم سقف مسكنه الهجين، فتمطر السماء في مكان نومه وصغاره. ليس هناك عاقل على وجه الأرض يقبل بكل هذا إلى إذا كان مرغماً على الرحيل والتضحية، إلا إذا كانت الخيمة والسقف “التنكيّ” أصبح الملجأ الوحيد له ولعائلته بعدما تفرج العالم بأكمله وبدم بارد واهتمام معدوم على أهل بلده وهم يقتلون بالتفجير، والبراميل، والصواريخ، والتعذيب.

لاقت الأرقام التي كشفها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، استغراب عدد من اللبنانيين، بأن مليوناً و330 ألف لاجئ سوري في لبنان لا يرغبون بالعودة إلى بلادهم، وذلك في تناقض مع الرواية التي تروّج لها كل من حكومتا النظام السوري والحكومة اللبنانية المستقيلة. وقال إبراهيم في حديث تلفزيوني، إن عدد اللاجئين السوريين في لبنان يبلغ مليونين و80 ألف لاجئ.

ولن تتضمن خطة العودة أي دور للأمم المتحدة التي تصر على أن الظروف في سوريا لا تسمح بعودة اللاجئين على نطاق واسع.

هذه الأرقام غير مفاجئة أبداً. فمن يرغب بالعيش في دولة يحكمها بشار الأسد؟ وهل تنتظر الحكومة اللبنانية من الذين شاهدوا أهلهم يُقتلون أن يتناسوا ماذا فعل بهم هذا النظام المجرم؟ ألا يكفيهم ما عاشوه وما يسمعونه كل يوم في نشرات الأخبار عن دول تستأنف العلاقات مع معذب أولادهم وقاتل أحبائهم والأفظع… مدمّر بلادهم.

كيف على بعض اللبنانيين أن يستغربوا هذه الأرقام ونحن في لبنان أكثر من يعرف لماذا لا يود هؤلاء العودة، وأكثر من عانى الأمرين من إجرام هذا النظام وبطشه وقلة إنسانيّته.

كيف تستغربون رفض اللاجئين للعودة إلى مذابح الدم ورائحة البارود التي لن تمحى حتى بعد صمت المدافع. فمن يختار بشار الأسد على أي شيء؟ إن الموت من الصقيع والفقر أشرف ألف مرة من الموت على يد أزلام الأسد في سجونه المتهالكة. ففي رفض العودة، مقاومة ومواجهة حتى النفس الأخير.

نقول كل هذا لا لنبرر بقاء هذا العدد الضخم من اللاجئين على أراضي لبنان التي بالكاد تتسع لأهل البلد، واستهلاك موارده المعدومة أصلاً. الحل لا يكمن طبعاً بتسليم بشار رقاب من فروا منه وبسببه، بل الحل الفعلي والوحيد هو بيد المجتمع الدولي الذي يفضل ألف مرة إعادة اللاجئين إلى مقصلة الأسد على استقبالهم في أراضيه الواسعة والفارغة من الناس.

الضغط يجب أن يصوب بالاتجاه الصحيح: لترحيل من يرغب بالعودة أولاً، وثانياً لمن صوّت لبشار الأسد في سفارة النظام في لبنان فوراً وهم ليسوا بكثر، وثالثاً تنظيم انتشار اللاجئين في لبنان بشكل يراعي المعايير الدولية والأممية ويراعي قدرة استيعاب لبنان، وأخيراً لتوزيع بعض من اعداد اللاجئين إلى دول متعدّدة ضمن خطة شاملة تحفظ سلامتهم وأمن البلاد المستضيفة وتخفف عن لبنان أعباء أزمة لا ناقة له فيها ولا جمل إلا بحكم القربة الجغرافية والمعاناة المشتركة مع الشعب السوري من ألعاب بشار القاتلة وعشقه لرائحة الدم والبارود.