“هنا حيّ التنك” أطفال وتراب وحرمان
يناير 4, 2023
A-
A+
حي التنك”، اسم على مسمى، كيفما تنتقل بالنظر إليه تصطدم باللون الرمادي الحديدي، اكتسب الحي اسمه من سقوف غرفه المتهالكة والتي تغطيها أسقف التنك. يضج كل شيء فيه بالفقر والعوز والبؤس الظاهر على وجوه سكانه لانعدام النظافة وامدادات المياه الصالحة للشرب، والصرف الصحي، وممرات المشاة، والمدرسة والمستوصف.
يقع حي التنك في منطقة الميناء في طرابلس، تتشكل “البيوت” بأغلبيتها من غرفتين في موازاة الأرض، وتمنع السلطات سقفها بالإسمنت لأنها مبنية على أملاك الغير، أما واجهات غرف البيوت فيكسوها العفن وتلتف حولها حبال الغسيل.
يُعتبر حي التنك من أفقر العشوائيات في مدينة الميناء في شمال لبنان، وتحديداً لناحية مدخلها البحري. يعيش فيه حوالي 1300 عائلة، وفق إحصاء إحدى منظمات الأمم المتحدة. وهؤلاء غالباً لا يملكون دخلاً، يعيشون على المساعدات، ويعتمد بعضهم الآخر في معيشتهم على المهن الحرفية وعلى جمع الخرضوات والبلاستيك وبيعها وصيد الاسماك وعلى العمل في المقاهي الشعبية المنتشرة على الكورنيش او كباعة متجولين على العربات. أي هم عمال مياومون يعملون يوماً يأكلون، لا يعملون لا يأكلون.
والأطفال هم أول من يستقبل الداخل إلى الحي حيث تنتشر مجموعاتهم في شارعه وأزقته الترابية قلة منهم تذهب إلى المدرسة وبعضهم كان بدأ العمل في سن مبكّر لتلبية حاجة عائلاتهم الماسة إلى كل قرش.
تظهر الأرقام الموثقة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي في الميناء والمعروفة بـ “مدينة الموج والأفق”، أن ثمة تنافساً بينها وبين جارتها طرابلس على احتلال المركز الأول فقراً وحرماناً، وتالياً لجهة السكن غير اللائق. فبحسب “دليل الحرمان الحضري” الذي أعده الباحث أديب نعمة لصالح “لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا” الإسكوا عام 2015 فإن 80 في المئة من سكان الميناء لا يتمتعون بأي ضمان صحي مقابل 76 في المئة من سكان طرابلس. كما أن 84 في المئة من سكان الميناء لا يملكون أي حساب مصرفي مقابل 78 في المئة من سكان طرابلس.
يرى أديب نعمة، المستشار الإقليمي في الإسكوا أن هذه النسب مرتفعة بفعل أوضاع سكان الميناء عامة وقاطني العشوائيات فيها خاصة. عشوائيات تبدو كأحزمة بؤس في الناحية الجنوبية في المدينة، وإن كانت في صلب نسيجها الاجتماعي والديموغرافي.
الإقامة كانت مؤقتة في هذا المكان في بادئ الأمر، قبل أن يطلق عليه اسم “حي التنك”. شيّدت هذه الأبنية البسيطة لا لتأوي الفقراء، بل لمهندسين جاؤوا إلى الميناء ضمن مشروع للعمل على تحسينها. ما إن أنجز المشروع ورحلوا حتى اتخذ العمّال من الأبنية مساكن لهم ولعائلاتهم، على أرض تعود ملكيتها للدولة. والدولة اللبنانية تنوي استرجاع ما لها، تفكّر في حلّ لأهالي الحيّ، وفق نزيه فينو العضو في جمعية “سيد – بذرة أمل”. أمّا الجزء الآخر من الأرض فأملاك خاصة يمكن لأصحابها أن يستبعدوا سكّانها في أي وقت. لكن الدخول إلى الحيّ ليس كالخروج منه، إذ إن أحداً من سكانه لا يملك مكاناً آخر يلجأ إليه.
أرض الحيّ ترابيّة تفترشها بعض الأحجار هنا وهناك. البيوت أغلبها في موازاة الأرض، لا ترتفع عنها إلّا سنتيميترات قليلة. واجهاتها التي تمنع عنها عيون الآخرين عبارة عن حبال غسيل تطوّق البيوت، وتكسوها الغبرة الصاعدة من الأرض قبل أن تنشف حتى. هذه الغبرة ترافقها، في أيام الصيف، نيران يهيأ للأقدام التي تطأ أرض الحيّ أنها صاعدة من جهنّم نفسها “بالشتي غريق وبالصيف حريق”.
حي التنك عبارة عن أزقة ضيقة، جزء منها أملاك عامة والجزء الآخر ملكيات خاصة، لكن شيّدت الغرف منذ سنوات هناك من دون أي تنظيم، وإن كان القانون ينص على إخراج الناس من البيوت التي لا يملكونها أصلاً، فماذا يفعل القانون بهؤلاء؟ هل يرميهم على الطرق؟
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي