نعم، الطرابلسيّ يعلمكم نهج الحبّ
أغسطس 29, 2022
A-
A+
في مؤتمر صحفي عقد يوم الجمعة 26 آب 2022 روى لنا قبطان غواصة انتشال قارب الهجرة في طرابلس، أنّ فريق العمل عثر على عشرة جثامين من ضحايا القارب، وبكلامه الممزوج بالحرقة والدموع روى لنا مشهدية العناق، جثمان يلفّ ذراعيه على الآخر، كما يظهر لنا في إنتاجات هوليوود وبولييود.
نعم، شخصين هربا من ظلم وفساد واستبداد السلطة، ليغرقا أيضاً بسبب ظلم وفساد واستبداد السلطة، ثمّ ليموتا بكلّ حبّ، لماذا الحُبّ؟ لأنه نهج الطرابلسيّ؟
الطرابلسيّ الذي شوّهت مدينته، ثمّ بثت فيها الأفكار والمعتقدات الفاسدة، ليصبغ فيما بعد بصبغة الإرهابيّ، والمتطرّف، والكاره، ثمّ ليرمى فيما بعد بسجون الظلم والاستبداد من دون محاكمة، وبغياب أدنى مقومات العدل والمنطق، هو ذاته الطرابلسيّ الذي حرم من الوظيفة العامّة لغايات خبيثة، ثمّ منعت الاستثمارات الخاصّة في مدينته للغايات نفسها، ثمّ سلطت عليه المحطات الإعلاميّة المسيّسة والمأجورة، لتخوّف المواطن اللبناني، من المواطن الطرابلسي، كما لو أنّ كلاهما من بلد، ومن ثقافة، ومن ذوق يختلف عن الآخر.
إنه الطرابلسي، الذي أشغلته الدولة بلقمة العيش، وكان فيما قبل رائداً في الثقافة والعلم والإنتاجات الفنيّة والأدبيّة والموسيقيّة، هي ذاتها السلطة التي أعادت طرابلس الفيحاء مدينة العلم والعلماء إلى عصور ما قبل التاريخ، فأوقفت دور الفنّ والمسارح، وأضعفت دور الرابطة الثقافيّة وأقصت معرض رشيد كرامي الدولي عن الواجهة بعد أن كان من أهم المباني في العالم من حيث الهندسة والفنّ المعماري، هي السلطة ذاتها التي أضعفت مرفأ طرابلس “لغايات في نفس أكثر من يعقوبٍ واحد”، وحدّت من مصفاة طرابلس، وحوّلت محطة القطار من عنصر حيوي لمهزلة تاريخيّة ومشهدٍ يدلّ على حال المدينة وواقعها، هي السلطة ذاتها التي أهملت القلعة والتراث الطبيعي والثقافيّ والرّوحي، هي السلطة ذاتها التي أضعفت مساجد المدينة وكنائسها، وحوّلت نهر طرابلس لساقيةٍ مسقوفةٍ مخيفة، من يسقف نهراً؟ غيركم؟
هي السلطة ذاتها التي حوّلت طرابلس لأفقر مدينةٍ على ساحل المتوسط، هي ذاتها التي أغفلت دور المدارس والجامعات ومنعت بناء الإنسان، لئلا يبني مدينته، هي ذاتها التي حصرت الثروة بأشخاص طرابلسيين أصبحوا من أغنى رجالات العالم.
ما الذي يمكننا قوله عن طرابلس، وعن مشاكلها، وعواقب تطورها، ماذا نقول عن الأبنية الاسمنتية الممزقة برصاص الفتنة بين أهلها الطيبين؟ من كان السبب؟ ومن فجّر مساجدها؟ ومن قتل شعبها في رصاص الفتنة؟ وديناميت المساجد؟ وقارب الموت؟
ماذا أخبركم عن طرابلس الكعكة والجلّاب، والتّوت، عن طرابلس المكاتب والأزقّة والحمامات التراثية، عن المسرح الوطني وقصر نوفل والقاعات التراثية ؟ ماذا أخبركم عن الحلويات والأكلات الشعبيّة والمنصوريّ الكبير، ماذا أخبركم عن خان الخياطين والأسواق الشعبيّة، عن رائحة الصابون البلدي، والمغربيّة، والكنافة وغيرها الكثير.
ماذا أخبركم عن طرابلس التي تقوم من تحت الردم ورغم كلّ المآسي، لتقول للسلطة الحاكمة الفاجرة الخبيثة، بأنها باقية وهي جزء من لبنان؟
وكيف أقول لكم بأنّ تواقيع الكتب في طرابلس باتت شبه يوميّة وأسبوعيّة، حان وقت نهضة طرابلس، بشبابها وشاباتها ومحبيها.
نعم، الطرابلسيّ يعلمكم الحبّ
الأكثر قراءة
- في فلسطين ولبنان حضانة الأطفال بعد الطلاق: رحلة الأمهات نحو العدالة فريق منصة نقِد
- أنغامي تعاقب اللبنانيين على أزمتهم أنطوني بركات
- لقاح لأمراض القلب والسرطان: خبر حقيقي أم آمال كاذبة؟ فريق منصة نقِد
- الحضانة للأمهات: “للموت” يخترق حواجز المحاكم الروحية خلدون جابر