تكتيك حزب الله الحربي: التضحية بقيادته قبل المعركة

يوليو 24, 2024

A-

A+

مئات الشهداء ودمار وخسائر ماديّة وإقتصاديّة تُقدَّر بالمليارات، ومعاناة ما زالت مستمرّة في جنوب لبنان حيث ينتظر العقلاء من أهله إنتهاء هذه الحرب الّتي بدأها حزب الله في الثامن من تشرين الأوّل الماضي، في حين يدّعي الأمين العام للحزب أنّه قرّر دخول الحرب في اليوم التّالي لعمليّة “طوفان الأقصى” إسنادًا لغزّة وحماس وتشتيتًا لإنتباه إسرائيل عن معركتها الأساسيّة.

لكن يبقى السّؤال يُطرَح حتى اليوم عن فائدة هذه الحرب في ظلّ غزّة مدمّرة وتنفيذ مستمرّ لخطّة تهجير أبناء القطاع. بالإضافة إلى الخسائر الّتي يعاني منها لبنان وخاصّةً جنوبه حتّى قبل توسّع المعركة الّتي ستشمل عند ذلك جميع الأراضي اللّبنانية والمرافق المهمّة والبنى التحتية ومطار بيروت، وغيرها من الأهداف الّتي تهدّد إسرائيل أنّها بالآلاف وستقوم بمحوها عن الخريطة، ما سيكلّف لبنان خسائر منها لا تُعَوَّض أصلًا، ومنها قد لا نجد من يعوّضها.

يتبيّن لنا بعد حوالي التسعة أشهرٍ أنّ الحزب، إلى جانب تقديمه الجنوب ضحيّةً لأجندته الإقليميّة وتعريض لبنان بأكمله لهذا المسار التدميري، يقدّم هو أيضًا تضحيات كبيرة جدًّا لم تنتهِ بعد بل تزداد يومًا بعد يوم وهو مجبَر على تحمّلها منتظِرًا إنتهاء حرب غزّة وتوقيع الصفقة الإقليميّة، أو الوقوع في فخ الحرب الكبرى الّتي يتجنّبها.

ما زالت إسرائيل تستكمل الضربات “الموجِعة” والمتتالية الّتي تنفّذها منذ بدء الحرب ضد حزب الله، حيث تقوم بعمليّات وهجمات تصطاد من خلالها قياديّين ميدانيّين ومسؤولين وأعضاء بارزين في الحزب، وهذه الضّربات المتواصلة أظهرت خرقًا إستخباراتيًّا هائلًا لا يبدو أنّ الحزب توقّعه فخسر العديد من العقول والكوادر العسكريّة.

كما تعمل إسرائيل على تدمير الجنوب حيث ينتشر عناصر حزب الله وتنطلق منه الضّربات الصاروخيّة والمسيّرات، فسوَّتْ آلاف المباني بالأرض وأحرقت مساحات كبيرة من الغابات والأراضي الزّراعيّة ودمّرت حياة عشرات الآلاف من الجنوبيّين الّذين هُجِّروا من قراهم و قُتِلَ أقارِبِهم وهُدِمَتْ بيوتهم. ما جعل العديد من قرى الجنوب أراضٍ محروقة غير قابلة للسّكن كقطاع غزّة، ويعمل الحزب على التّعويض لهؤلاء من خلال خزينة الدّولة اللّبنانيّة أي أموال اللّبنانيّين بدل تحمّله هو وحليفته إيران مسؤوليّة دخوله هذه الحرب الّتي لا مصلحة للبنان فيها.

بفعل أداء حزب الله على مرّ السّنوات الماضية وسياساته المرتبطة بمصالح غير لبنانيّة والّتي توّجت بإتّخاذه قرارًا أحاديًّا ببدء الحرب مع إسرائيل، بات في لبنان أكثريّة معارِضة للحزب ومناهِضة لسيطرته على مفاصل الدولة اللبنانية ما وضع لبنان في خانة الدّول الموالية لإيران والمعادية لسائر المجتمع الدّولي خاصّةً الدّول العربيّة والغرب. هذه السياسات حجّمت حزب الله لبنانيًّا لينحصر التّأييد الشعبي له على الطائفة الشيعيّة، وزادت من قدرة الأحزاب الأخرى على التلاقي لمواجهة فرض الحزب لأمر واقع جديد حتّى الآن مثل إيصال مرشّحه سليمان فرنجيّة إلى سدّة الرّئاسة، ومحاولة فرض جلسة حوار يديرها الثنائي الشيعي من خلال الرّئيس نبيه برّي ما يطيح بما تبقّى من منطق ديمقراطيّ في لبنان.

بعد الخسائر البشريّة والماديّة والإقتصاديّة المتزايدة يومًا بعد يوم، نتساءل عن المقابل الّذي ينتظره حزب الله جراء مشاركته في الحرب، حيث وضعت الوفود المفاوِضة الأميركيّة والأوروبيّة العديد من الأوراق على طاولة المفاوضات مقابل وقف إطلاق النار وتراجع حزب الله عن الشريط الحدوديّ.

وتتمثّل بترسيم الحدود البريّة وإسترجاع مناطق محتلّة ونقاط حدوديّة مختلف عليها، ووقف إسرائيل إختراقاتها الجويّة فوق سماء لبنان، وهذه الأوراق قد تكون فرصة حزب الله ليعلن نفسه منتصرًا إذا ما تمّ الإتّفاق عليها أو على البعض منها، وهو لم يرفض التفاوض إلّا أنّه ما زال يربط معركة الجنوب بمعركة غزّة، مراهنًا على عدم شنّ إسرائيل حربًا أوسع عليه. مع العلم أنّ هذه النقاط المُعلَن عنها تُضاف إليها مسائل تتعلّق بنفوذ إيران ومصالحها في المنطقة يتمّ التشاور بها في الغرف المغلقة.

في الختام، ومع إستمرار الحرب والتضحيات الهائلة الّتي يتكبّدها لبنان، يجد حزب الله نفسه في موقف صعب، بين تبرير خسائره الداخلية وتحقيق أهدافه الإستراتيجيّة. ومع إستمرار النزاع وتفاقم الأوضاع الإنسانيّة والإقتصاديّة، يبقى الحل الأمثل بعيد المنال وهو وقف إطلاق النار وتسلّم الدولة اللبنانيّة قرار الحرب والسلم وتطبيق القرارات الدوليّة ونشر الجيش على الحدود ليقوم بالمهمّة الّتي لا يجب على أي طرف غيره أن يقوم بها. لكن في الواقع نحن في إنتظار إمّا حربًا مدمِّرة لا يمكن تقدير مسارها، أو تسوية إقليميّة تعيد ترتيب الأوضاع وتُجنّب لبنان واللّبنانيّين مأساة غزّة.

من رميش المحاصرة بين نارين.. الحرب في كل مكان حولنا لكنها ليست هنا

منذ بدء النزاع، قال إن مقاتلي حزب الله دخلوا رميش مرتين بعد ذلك، أرسل الأب نجيب رسالة إلى الجماعة مفادها أنهم غير مرحب بهم. “قلنا لهم ‘لا يمكننا منعكم من المرور عبر بلدتنا، ولكن لن نسمح لكم بإطلاق النار من هنا’ ” قال. ” ‘ضعوا صواريخكم في مكان آخر.’ “