أخبروا من بقي – رفضنا الموت قبل الموت
أغسطس 8, 2024
A-
A+
تسعةٌ وأربعون سنة، وسنةٌ واحدة تفصلنا عن خمسينيّة الحرب الأهليّة التي بدأت في العام 1975 ولم تنته بعد.
ثمانية عشرة سنة، منذ حزب تموز.
اللبنانيّ الذي بلغ عمره التسعة وأربعون سنة، مع اللبنانيّ الذي بلغ الثمانية عشرة سنة، عاصروا دمويّة الحرب ومأساتها، ولستُ متأكاً عمّا إذا كانوا متلهفين لدمويّة الحرب ومآسيها من جديد.
ولعلّ مصيبتنا الكبرى هو أنهم لا يسألونا، نحن أرقام، لا قيمة لنا إلا عند الانتخابات، وأصواتنا غير مسموعة إلا على المنابر، ومن دون قيمة.
ما فائدة خطابك الرّنان من وراء شاشة التّلفاز، وفي السّاحات وأمام النّاس، وفي الوقت عينه يجهّز ويحضّر غيرك لفتح جبهة، ما فائدة حماسك وصريخك، وغيرك يملأ فوّهة بندقيّته الصدأة ليقاتل بها حكّام العالم، ما فائدة زواجك وأسرتك وحياتك كلّها وغيرك يخطط كيف يموت ويميتك معه، ما فائدة وجودك وأحلامك وكفاحك في الحياة وشريكك في الوطن، يصنع قنبلةً يدويّة ليقاتل بها مدافع العالم أجمع.
هل سَأل جياع الحرب أصحاب الحرب عن معنى كلمة “حرب”؟
هل جرّبتَ انقطاع المياه عن منزلك؟ عن الحمّام والمطبخ؟ عن الحديقة؟ عن حارتك وبنايتك ولدى أهل بيتك؟
هل انقطعت من مياه الشرب ليوم؟
الخبز؟ هل رأيت أطفالك يتقاتلون على كسرة خبز؟ هل اشتهيت كسرة الخبز؟
هل طلب منك ابنك تفاحة وعجزت عن شرائها له؟
هل فرغت جرّة الغاز ولجأت للحطب؟ هل جرّبتها؟ وهل أنت مستعد؟
هل مرض ابنك يوماً ولم تستطع أخذه للطبيب؟ ولم تستطع شراء الدواء له؟
هل جلست مع أهلك في المنزل تنتظر قذيفةً تفجّر رأس ابنك الصغير ؟
هل بكيت يوماً لأنك أكلت الفئران لقلّة الطعام والشّراب؟
هل فقدت كلّ أسرتك وكلّ أصدقائك، وكلّ أطرافك؟
هل قاتلت يوماً من أجل الحصول على علبة حمّص ثمّ وجدتها منتهية الصلاحيّة، رائحتها كريهة، مليئة بالدود، ثمّ أطعمتها لأطفالك؟
هل أنت مستعدّ لكلّ ذلك؟
هل تخيّلت المشهد؟
رفضك للحرب ليس جبناً ولا تخلياً عن القضيّة الفلسطينيّة، إنما هو رفض للانتحار، ورفض للموت، واحتراماً لحياة الآخرين.
ليس خيانةً إنما وعياً للأمر الواقع، ولقدرتك على القتال والحرب …
اكتفى اللبنانيّ من كلّ الحروب وقرف منها، وليس مستعداً لأن يقدّم أولاده وأحبته على مذبح الهمجيّة والفوضى، لأجل ماذا؟ ولماذا؟ وما الهدف؟ وماذا أكون قد قدّمت للقضيّة الفلسطينيّة آنذاك؟
ولماذا علينا أن نلبّي نداء جوى الموت مجبرين ومضطرين؟
نعلم أن لا أحد سيسمع كلامنا، وقد تكون هذه لحظات ما قبل الحرب، وما قبل الموت، وقد لا نستطيع الكتابة بعد عدة أيام أو أسابيع، ولا النشر حينها لانقطاع الانترنت.
ولكن يكفينا أن نقول كلمة واحدة وهي أننا رفضنا الحرب قبل وقوعها، ورفضنا الفوضى قبل حدوثها، ورفضنا نهج الدّم والهمجيّة، ورفضنا الموت قبل الموت …
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي