أزمة مجتمع “الميم عين لام” أثناء التوقيف: الاصلاحات باتت ضرورة
مايو 13, 2024
A-
A+
في خضم الورشات الإصلاحية التي يخوضها الحقوقيون في لبنان لتطوير قوانين في قطاعات مختلفة، يبرز مطلب أساسي لأفراد مجتمع “الميم عين لام” لتعديل أنظمة وقوانين تطالهم وبشكل خاص المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني التي تنص على أن “كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة”. يترافق ذلك مع مطالبتهم بالمساواة في الحقوق مع سائر المواطنين والشكوى من التمييز والتهميش في المجتمع ومن انتهاكات في مراكز التوقيف.
هذه المطالب تكاد تتحول إلى أزمة حقيقية عند كل استحقاق في بلد لا يزال “متمسكاً بتقاليده وعاداته على الرغم من انفتاحه، وبالحدود التي تفرضها الأديان فيه”. وهو واقع يفتح الباب على نقاش واسع ويطرح تساؤلات أولاً حول صحة هذه الانتهاكات وما دور القوى الأمنية، وحول ضرورة تعديل القوانين بما يراعي الكرامة الإنسانية ويتوافق مع القوانين الدولية التي صادق عليها لبنان والتي تكفل حقوق الإنسان بغض النظر عن انتماءاته الجنسية.
تمييز على أساس الجنس في مراكز التوقيف
يروي “عامر” وهو إسم مستعار لشاب من أفراد الميم عين لام٬ ما تعرض له وصديقه عند حاجز لأحد الأحزاب اللبنانية، يومها تم توقيفه ومعاينة هاتفه حيث وجد عناصر الحاجز صورة حميمة له ولـ”حبيبه”. وعلى الأثر تم تسليمهما لأحد المخافر حيث أُوقفا لتسع ساعات، وبحسب عامر فقد تعرضا أثناء التوقيف للإهانات المختلفة، من الصفعٍ إلى سؤاله إذا كان “يمارس اللواط”، قبل أن تتم إحالتهما إلى مخفر “حبيش” حيث أخلي سبيلهما مقابل كفالة مالية. لكن المعاناة لم تتوقف هنا، إذ تم استدعاؤهما إلى جلسة أمام المحكمة بعد ثلاثة أشهر.
قصة عامر هي واحدة من عشرات قصص التنمر والتمييز التي يرويها الضحايا والتي دفعت بمراقبي الأمم المتحدة إلى رفع توصيات إلى لبنان بشكل مستمر بضرورة احترام أفراد مجتمع الميم عين لام بسبب التمييز الذي يتعرضون له بحسب مدير جمعية “براود ليبانون” التي تُعنى بحقوق مجتمع الميم عين لام بيرتو ماكسو.
يقول الأخير إن هذه المعاملة ناتجة عن “قلّة خبرة الضابطة العدلية مع الأشخاص المختلفين داخل المجتمع اللبناني، هذا فضلاً عن عدم احترام مدة التوقيف وهي 48 ساعة يتم تجديدها لمرة واحدة بناء على إشارة القضاء، والاستمرار بتطبيق المادة 534 من قانون العقوبات”، وبموازاة ذلك، أوضح ماكسو أنّ “الممارسات داخل السجون لا تحترم المعاهدات الدولية”.
وفي السياق كشف مسؤول التواصل في جمعية “حلم” ضومط القزي عما يتعرض له العابرون والعابرات جنسياً (ثنائيو الجنس)، نتيجة زجهم في سجون تخالف نوعهم الاجتماعي. فالمرأة العابرة توقف في سجون الرجال “وهو ما يتسبب باستمرار دوامة الجريمة داخل السجن الذي يُفترض أن يكون مكانًا لإعادة التأهيل”.
الأجهزة الأمنية: تأكيد على التزام القانون واحترام الجميع
تنفي الأجهزة الأمنية ما ينسب إليها من اتّهامات جملة وتفصيلاً، مؤكدة أنها تعمل وفقًا لإشارة القضاء إن كان لناحية تطبيق المادة 534 أو لناحية الإجراءات في حال ثبوت أي علاقة بين أحد أفراد الميم عين لام وسجين آخر، أو حتى لجهة تمديد مهلة التوقيف لـ48 ساعة إضافية.
أما فيما خص توزيع الموقوفين داخل السجون، فتؤكد المصادر لـ«نقِد» أنّ ذلك يتم أيضًا بناء على إشارة القضاء المختص، بحيث يوزّعون تبعًا للهوية الجنسية لا الهوية المسجلة على الأوراق الرسمية، وذلك من باب احترام حريتهم، في حين أن العابرين جنسيا أو “الشيمايل” يوقفون راهنا في النظارات في ظل غياب مراكز التوقيف الخاصة بهم.
هذا بالنسبة لظروف التوقيف أما بالنسبة للانتهاكات فتنفي المصادر الأمنية حدوثها داخل السجون حيث تقوم المنظمات الدولية من صليب أحمر دولي وصليب أحمر لبناني ومنظمة الصحة العالمية وغيرها من الجمعيات المدنية والدينية، بزيارات دورية. أضف إلى ذلك الكشف الدوري على السجون للجان محلية كاللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، ولجنة خاصة بمناهضة التعذيب داخل قوى الامن.
وتؤكد المصادر عينها على حق أي شخص معرّض للاعتداء بالتقدّم بشكوى، ويتم التعامل معها بكل جدية ليصار بعدها إلى محاسبة أي مرتكب.
إصلاحات قانونية مطلوبة
ما بين الرواية الأمنية وشكاوى التهميش من قبل أفراد ومنظمات معنية بمجتمع الميم عين لام، تبرز أهمية التزام لبنان بالمعاهدات الدولية التي انضم إليها، وأهمية إجراء إصلاحات تشريعية تحدّ من التمييز بين أفراد المجتمع و تحاسب الإنسان على أساس ارتكاباته لا خياراته الجندرية.
ففي عام 2000 صادق لبنان على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وفي عام 2017، أقر مجلس النواب اللبناني القانون رقم 65/2017 الذي يجرم التعذيب وعينت الحكومة الأعضاء الخمسة في اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب. هذا فضلا عن المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية المعدلة في العام 2000 والتي أتاحت للمحامين التواجد مع موكّليهم أثناء استجوابهم في التحقيق الأولي لدى الأجهزة الأمنية. لكن على الرغم من هذه التشريعات التي تضمن حقوق الموقوفين وتقيهم من التعذيب، لا تزال الجمعيات المعنية بحقوق المثليين تشكو من انتهاكات فاضحة للقوانين والمعاهدات الدولية على أرض الواقع.
من هنا يشدّد عضو “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد” المحامي علي عباس على أن القانون العام يحمي الإنسان مهما كانت توجهاته، فحماية أفراد “مجتمع الميم عين لام” هي من حماية كل الموقوفين عبر المحافظة على حقوقهم الشخصية والإنسانية وعبر وضع قانون يحمي الجميع ويمنع أي اعتداء على سلامتهم وكراماتهم وحقوقهم التي نصت عليها شرعة حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية التي وقع عليها لبنان، والواجب تطبيقها ومراعاتها من قبل الاجهزة الامنية وفقا للقوانين المرعية الإجراء في الداخل اللبناني.
ويطرح عباس إصلاحات قانونية عدة تبدأ بتطوير المادة 534 بما يتماشى مع العصر الجديد والتطور العالمي الحاصل، مع مراعاة الأديان والعادات والتقاليد الموجودة في الدولة اللبنانية، وقد يكون ذلك عبر إلغاء جرم “المجامعة خلافا للطبيعة” نهائيا أو عبر الاكتفاء بالغرامة عوضًا عن التوقيف. “في هذه الحالة “نكون حمينا أفراد مجتمع الميم عين لام من إلصاق هذه التهمة بهم حال توقيفهم بجرائم اخرى”.
إذًا وأمام هذا الواقع، يبدو أن ورشة الإصلاحات القانونية التي يخوضها لبنان يجب أن تنطلق قبل كل شيء من التأسيس لثقافة اجتماعية تقتنع بأن السجن هو مكان للإصلاح وأن العقاب لا يجب أن يطال الكرامات وأن الاختلاف لا يبرّر التمييز والتنمّر، ومتى وضعت هذه الأسس يصبح التشريع جاهزًا لسنّ قوانين تحقق العدالة وتطوّر الأنظمة القضائية والأمنية بما يتماشى مع تطوّر المجتمعات.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي