19 Dec 2025
Like this post
تقترب حكومة نواف سلام من ذكرى السنة على تشكيلها، ومعها تقترب “بؤرة الخراب والفوضى واللاقرارات” التي ورثتها من الحكومتَين الأخيرتَين المحكومتَين من ائتلاف سياسي ضمّ جهات سياسية متكاتفة لسنوات، من التنظيم وفق قوانين تُنظِّم الخروج من الأزمة المالية-المصرفية، لكنّ التبعات وتحمُّل المسؤوليات يؤجّجان المسألة، وسط ترديد الجميع شعارات “الدفاع عن المودعين”.
فتزامناً مع جهود حكومية يقودها أكثر من وزير لإعادة هيكلة القطاع العام ووزاراتهم – أبرزها وزارة الدولة للتنمية الإدارية، الشؤون الاجتماعية، الإقتصاد، المهجرين والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي… – ينكبّ وزيرا المال ياسين جابر والاقتصاد عامر البساط، على إنجاز مشروع معالجة الفجوة المالية، وإضافة تعديلات على قانونَي إعادة تنظيم المصارف والسرّية المصرفية، وفقاً لمتطلبات صندوق النقد الدولي (IMF)، الجهة الوحيدة التي يُمكِن أن تُعيد الثقة المالية والمصرفية والاقتصادية الخارجية بلبنان.
وبات مشروع قانون الفجوة المالية قاب قوسَين أو أدنى من إنجازه وإرساله من مجلس الوزراء إلى اللجان النيابية، لدراسته وإقراره في الهيئة العامة. إلّا أنّ المتوجّسين من المشروع باتوا كثُراً، إذ ينضوي على تحديد المسؤوليات المترتبة على كل جهة (الدولة، المصارف، مصرف لبنان المركزي)، وبعدما كان كل طرف يحاول تقليص مسؤولياته، بات “المركزي” متفقاً نوعاً ما مع الحكومة وسط معارضة المصارف.
وتأتي مخاوف جمعية المصارف نتيجة تقليص صلاحياتها في التأثير على القرارات، علماً أنّ المصارف الأعضاء هي أساساً المُسبِّب المباشر في وقف الدفع للمودعين، إذ هُرِّبَت عبرها الأموال إلى الخارج، بعدما استدانت الأموال من المودعين على شكل ودائع مع إغراءات بالفوائد.
ولأنّ قانون هيكلة المصارف يُشير إلى تصفية أسهم المساهمين في المصارف التي تتخلّف عن إمكانية إعادة رسملة مصرفها أو دمجه بآخر لدفع المستحقات المترتبة عليها وفقاً لقانون الفجوة المالية المنوي إقراره، علت صرخة جمعية المصارف زاعمةً بأنّها مستهدفة عبر إشاعة أخبار عن “تطيير الودائع”.
لكنّ الواقع يُشير إلى عكس ذلك، إذ إنّ “مشروع الفجوة” يُقسم الودائع وطريقة دفعها بحسب حجمها (ما دون الـ100 ألف دولار، ما بين 100-500 ألف، ما بين 500 ألف ومليون دولار، وما فوق المليون)، ولكلٍّ منها شطور على الدفع المباشر، والدفع على دفعات، فيما لبعضها شطور حسم من قيمتها، وأخرى شطور تتضمّن تملّك سندات بالمصارف المرسملة (حتى وإن دُمِجَ بعضها). إلّا أنّ ما يجمع بين جميع هذه التقسيمات هو شطب الفوائد على الودائع.
ولشطب الفوائد رأيان متناقضان، الأول (ويتبنّاه أصحاب الجهات الرسمية والمصرفية وصندوق النقد)، يعتبر أنّ هذه الفوائد هي غير مستحقة، وأساساً كانت موجودة لجذب الأموال لتودَع ولا تُستثمَر بقطاعات إنتاجية، فتُجمِّد الاقتصاد مع تجميدها لسنوات والاستفادة الأحادية من قيمتها، بدلاً من أن تكون وفق رؤية اقتصادية تفيد البلد بأكمله من خلال الاستثمارات ودوران العجلة الاقتصادية. بالإضافة إلى أنّ دفعها سيُرتِّب التزامات إضافية تُخفِّض قيمة الودائع المعادة مباشرةً، ممّا يُطيل أمد الأزمة وحتى الحل متوسط وطويل الأمد. كما أنّ الفائدة على الوديعة أساساً لا تُعتبَر قانونياً جزءاً من الوديعة، إنّما مكافأة على الإيداع، وبما أنّ النظام المالي في أزمة فلا إمكانية لإعطاء مكافآت.
أمّا الرأي الثاني (ومؤيّدوه هُم بمعظمهم من المودعين)، فيعتبر أنّ الودائع خسرت من قيمتها بفعل التضخّم على مدى 6 سنوات (ويتوقّع أن تمتد لأكثر من ذلك)، وحُسِمَ من رصيدها بفعل السحوبات على التعاميم وفق أسعار صرف غير عادلة، وليست بقريبة حتى من أسعار صرف السوق طيلة هذه المدة. فينبغي برأيهم إعادتها إلى جانب الودائع، لأنّها أساساً كانت قانونية يوم أقرض المودِع أمواله للمصرف.
ومن الودائع المنوي شطبها، هي التي تتعلّق بجرائم مالية وضريبية، وتحديداً تبييض الأموال والتهرّب الضريبي، وهي تتجاوز الـ7 مليارات دولار بحسب التقديرات الأولية. ولا يُرمَز إليها بالخطابات السياسية بأنّها شطب للودائع، لأنّها أساساً تُعدّ غير مشروعة بحسب المسؤولين.
أمّا ما سيُشكِّل “الودائع المؤجّلة” فهي المساهمات بالمصارف والسندات المستحقة، إذ يرى غالبية المودعين بأنّها “بلا قيمة – جدوى اقتصادية”، إذ إنّها تفقد من قيمتها السوقية مع مرور الزمن. لكنّ صندوق النقد متوافق مع مشروع قانون الفجوة المالية، بأنّ إعادتها فوراً غير واقعي، إنّما يتطلّب جهوداً في تسريع إعادة الأموال المهرّبة إلى الخارج، بالإضافة إلى خطوات إصلاحية أخرى، مثل تدقيق جنائي بحسابات المصارف (تعارضه جمعية المصارف بشدّة، إذ يُرتِّب “كارثة سياسية”) ومصرف لبنان، وصولاً إلى استثمارات – خارجية – تُضَخّ في المصارف المرسملة أو المدمجة بعد دراسة الوضع المالي لكل مصرف.
ويُبرِّر أكثر من مصدر حكومي أنّ ما يعتبره البعض تباطؤاً في النية لإعادة الودائع، بأنّ ما وُرِثَ عن حكومتَي الرئيسَين نجيب ميقاتي وحسان دياب، كان “لاقرار” ذوّب جزءاً هائلاً من الودائع و”غضّ النظر” عن تحويلات غير عادلة إلى الخارج، ولولا ذلك لكانت قيمة الودائع المعادة مباشرةً قد تجاوزت بتقديرات أولية الـ250 ألف دولار لكل مودع، عدا عن تخفيضات بنسب الشطور.