27 Dec 2025
Like this post
في كلِّ مرةٍ يطلُّ علينا عامٌ جديدٌ، يصرُّ حزب الله على أن يكون عنوانُه الأبرز: اللايقينُ. لا بوصفِه نتيجةَ ظرفٍ طارئٍ، بل كخيارٍ دائمٍ يُفرضُ على بلدٍ أنهكتْه التجاربُ الفاشلة.
من جديد، يُتركُ اللبنانيون معلّقينَ بين إشاعةٍ وحربٍ، بين تحليلٍ أمنيٍّ وتسريبٍ سياسيٍّ، ينتظرونَ حلقةً جديدةً من مسلسلِ المواجهاتِ المفتوحةِ بلا موعدٍ، وبلا سقفٍ، وبلا أيِّ ضمانةٍ بأن ثمنَها لن يكونَ من أعمارِهم وأرزاقِهم.
هذا الانتظار ليس بريئًا. هو انتظارٌ مشحونٌ بالخوف، لأنّ الطرفَ المقابل، إسرائيل، لا ينتظر. يطوّرُ أدواتِه، يحدّثُ تكنولوجيّتَه، ويخطّطُ بعقلٍ باردٍ من عصرٍ يسبقُنا بعقود، بينما يُدفعُ لبنانُ قسرًا إلى معاركَ غيرِ متكافئةٍ، لا يملكُ قرارَ بدايتِها ولا نهايتَها. في المقابلِ، يستمرُّ الخطابُ ذاتُه: سندمّرُ اسرائيل، وعودٌ غامضةٌ، وتأكيداتٌ بأن “الأمورَ تحتَ السيطرةِ”، فيما الواقعُ يقولُ العكسَ تمامًا.
النتيجةُ معروفةٌ ولا تحتاجُ إلى عبقريةٍ سياسيةٍ: لبنان يتأخّر. يتأخّرُ في الاقتصاد، في الاستثمار، في التعليم، في الصحّة، وفي أبسطِ مقوّماتِ الاستقرار. بلدٌ كان يُفترضُ أن ينافسَ، صار بالكادِ يصمد. رأسُ المالِ يهرب، الكفاءات تهاجر، والشبابُ يُدفعونَ إمّا إلى المطارات أو إلى اليأس. ومع كلِّ جولةِ توتّرٍ، يُضافُ رقمٌ جديدٌ إلى لائحةِ القتلى، والأيتام، والمشرّدينَ. أرقامٌ تتحوّلُ بسرعةٍ إلى اعتيادٍ، وكأن الخسارةَ قدرٌ لا يُناقش.
في هذا العام الجديد أيضًا، لا يزالُ الحزبُ يتطلعُ إلى دورٍ خارجَ منطقِ الدولةِ. دورٌ لا يستمدُّ شرعيتَه من المؤسسات، ولا يخضعُ للمحاسبة، ولا يعترفُ بأنّ التجربةَ، بكلِّ وقائعِها، أثبتتْ فشلَ هذا المسارِ. المقاومةُ التي لا تُدمجُ في مشروعٍ وطنيٍّ واضحٍ، ولا تخضعُ لقرارٍ جامعٍ، تتحوّلُ من فكرةِ حمايةٍ إلى عبءٍ دائم، ومن شعارٍ سياديٍّ إلى عاملِ تفكيكٍ داخليٍّ.
الأكثرُ إيلامًا أن اللبنانيينَ يُطلبُ منهم في كلِّ مرةٍ “التحمّل”. يُقالُ لهم إن العدوَّ سيتركُ لهم فسحةً ليعيّدوا مع عائلاتهم، لاستقبالِ المغتربينَ، لالتقاطِ أنفاسِهم، وكأنّ حياتَهم معلّقة بقرارٍ خارجيٍّ أو بتفاهمٍ غيرِ معلنٍ. بلدٌ يُدارُ بهذه الطريقةِ لا يعيشُ، بل ينتظرُ الإذنَ بالحياة.
ومع غيابِ أيِّ رغبةٍ بتقبُّلِ الواقع عند الحزب، يعودُ المشهدُ العبثيُّ ذاتُه: منجّمونَ ومنجّماتٌ، تحليلاتٌ فلكيةٌ، وطمأنةٌ جماهيريةٌ مبنيةٌ على النجومِ لا على الخططِ. زعماءُ وأحزابٌ يختبئونَ خلفَ الغيبِ والشاشات، بدلَ أن يواجهوا الواقعَ: لا مستقبلَ للبنانَ من دونِ دولةٍ فعليةٍ، ولا أمانَ مع قرارٍ أمنيٍّ خارجَها، ولا نهوضَ مع اقتصادٍ رهينةِ الحروبِ المؤجّلةِ.
عامٌ جديدٌ، والمطلوبُ تغييرٌ جذريٌّ في المسار. لأن استمرارَ هذا النهجِ لا يعني سوى شيءٍ واحدٍ: حلقاتٍ إضافيةٍ من الخسارةِ، تُعرضُ على شعبٍ لم يعد يملكُ ترفَ الانتظارِ.