قصة “السلطان جبران” الذي أصبح مليارديراً

أبريل 18, 2023

A-

A+

فيه يصح المثل الشعبي المصري “اسمع كلامك اصدقك، اشوف عمايلك استعجب”، وكأن التاريخ يعيد نفسه، ينقلنا من صورة السلطان سليم شقيق العهد إلى السلطان جبران صهر الرئيس. قرابة 17 سنة من الوعود الكاذبة جرى التيار فيها عكس رياح الاصلاح والتغيير. جفت المصافي والسدود وانقطع التيار في ظلام دامس. كل هذا العجاف يشي بالفساد والمحاصصة وثروات تكدس على حساب الشعب اللبناني العظيم.

من المفارقات اللبنانية أنّ اللبنانيين بلغوا درجة من النضج السياسي باتوا معها يصدِّقون الصامت ولا يُصدِّقون المُكثِر من الكلام، جبران باسيل لاحقته “لعنة” الصفقات منذ أن “هندس” التسوية الرئاسية مع مدير مكتب الرئيس سعد الحريري، نادر الحريري، في ليالي باريس على مدى شهر تشرين الأول 2016، وانتهى الشهر بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. منذ ذلك التاريخ بدأت مفاعيل التسوية: متعهدا الجمهورية جهاد العرب وداني خوري، بواخر الكهرباء، “مزاد” الترشيحات للإنتخابات النيابية والدخول إلى “جنَّة” الحكومات المتعاقبة، وأخيراً وليس آخراً، صفقات الفيول وعمولاتها. ناهيك عن سنين من التحاصص والصفقات والسمسارات في وزارتي الاتصالات والكهرباء منذ دخول هذا التيار إلى الحكم.

لماذا يسمى جبران باسيل بالفاسد الاكبر وما هي ابرز صفقاته التي فضحت بالوثائق والمستندات؟

قضية بواخر الكهرباء التي وصفت بأنها بواخر جبران باسيل، حيث أنفق عليها أكثر من 36 مليار دولار.

تلزيم السدود المائية بعقود مثيرة للشبهات، ثم ضريبة القيمة المضافة في موضوع تلزيم معمل دير عمار 2، وقضية سعر أراضٍ جرى تلزيمها لإنشاء معمل كهربائي، إذ كانت القيمة 200 مليون دولار ثم تراجعت إلى 30 مليون دولار.

موضوع الأموال الإيرانية الذي قال إن التيار الوطني وحزب الله تقاسما فيها التغطيات السياسية والأموال، لكن هذه الملفات جميعها لم تأخذ حتى الآن طريقها الادعائي المتكامل في التقاضي.

أول رقم “فضائحي” جرى اتهام باسيل به، كان في صحيفة الديار، التي نشرت في تاريخ 2 شباط 2013 أن ثروة الوزير وصلت إلى مليار دولار، مع توسيع التهمة لتشمل عمه ميشال عون بالقول إنه أعطاه الحرية المطلقة ليتصرف كما يريد، يومها شملت اتهامات الفساد والثراء، ملف الهواتف الخلوية وتلزيم الشركة الصينية هواوي، لكن الاتهامات ظلت من دون مستندات موثقة.

وفي غير مناسبة سياسية من التي يتراشق فيها السياسيون والإعلاميون اللبنانيون تهم الفساد، ظلّ رقم المليار دولار عالقًا في الأذهان.

 بتاريخ 11 تشرين الثاني 2016، كانت قصة الإعلامي جو معلوف وبرنامجه “حكي جالس” عن فساد باسيل والتي رفض الاخير رفع السرية عن حساباته المصرفية بعد ان كان قد وعد فريق عمل البرنامج بالمضي بهذه الخطوة.

تبرعت صفحة على الفيسبوك بنشر تقرير تحت عنوان “البوبو الذي أصبح مليارديرًا”، ونشرت تفاصيل وأرقام عن مشاريع أخرى اتهمت فيها جبران باسيل بالتربح الهائل من مشروع مقدمي الخدمات الكهربائية، ثم مشروع البواخر التركية التي رفضتها الباكستان وتراخيص شركات إنتاج الكهرباء.

بعض هذه التقارير كان قد نشرها موقع “أولترا صوت” الإخباري في التاسع من تشرين الأول 2015، عرضت فيها أكبر 10 فضائح فساد في لبنان، ومن بينها قضية تمسّ حزب الله، وأخرى تطال بواخر جبران باسيل.

وكان تلفزيون الجديد قد بثّ ما وصفه بأنه حسابات باسيل في المصارف اللبنانية، ليرد عليها باسيل “بأنه مُستعدّ لأن يُقدم أرقام وأرصدة هذه الحسابات لمن يريد وكالعادة وضع نفسه في موقف محرج بعدما تهرب بالكذب واعتبار نفسه انه ضحية حملة اعلامية تستهدفه.

النقلة النوعية التي حصلت في موضوع “الفساد” كسلاح سياسي بين الزعماء والقيادات الطائفية، حصلت مطلع تشرين الثاني 2017، عندما عقد جبران باسيل مؤتمرًا صحفيًا لإطلاق حملة “التيار ضد الفساد”.”

في المؤتمر تساءل باسيل “هل يكفي أن نكون في التيار غير فاسدين؟ مشددًا بعد ذلك على أن مكافحة الفساد هي مقاومة سياسية بكل معنى الكلمة”، وفي ذلك ربط التيار مع حزب الله بآلية مقاومة سياسية يراد منها استخدام ملفات الفساد (بغض النظر عن دقتها) في معركة تصفيات الخصوم.

17 تشرين والهيلا هو:

بدأت ملفات الفساد التي يتورّط بها رجال أعمال مدعومون من السياسيين وأحزاب السلطة تتحرّك تدريجياً في لبنان بعد انتفاضة 17 تشرين الأول الماضي، التي عرّت الطبقة الحاكمة تماماً، ووضعت أزلامها في مواجهة مباشرة وحرب سياسيّة تترجم اليوم بفضائح علنية، ولا سيما بين أفرقاء الثامن من آذار التي يحاول عرّابهم “حزب الله” أداء دور المصلح في حلّ خلافاتهم، وتحديداً المرشحَين الطامحَين إلى رئاسة الجمهورية، الصهر ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

في سنة 2022، انشغل اللبنانيون بفضائح عدّة، لعلّ أبرزها تهريب كميات كبيرة من مادتي المازوت والطحين اللبناني إلى سوريا عبر المعابر غير الشرعية (يفوق عددها المائة)، التي يسيطر عليها “حزب الله” ويمنع إقفالها، لكونها الممرات الأساسية لنقل أسلحته وعناصره ومقاتليه لدعم نظام بشار الأسد وجرائم الحرب التي يخوضها الرئيس السوري. بالإضافة إلى فضيحة استيراد “الفيول المغشوش” لمؤسسة كهرباء لبنان، التي يُسأل عنها وزراء الطاقة السابقون، وستة منهم ينتمون إلى التيار الوطني الحرّ، بمن فيهم رئيسه جبران باسيل، الذي تولى حقيبة الطاقة عام 2009 ووعد اللبنانيين بالكهرباء على مدار الساعة، الأمر الذي لم يحصل، لا بل كبّد الفيول غير المطابق للمواصفات خسائر تفوق 400 مليون دولار، وأدى إلى وضع القضاء يده على هذه القضية، فكرّت سبحة الأسماء المتورّطة، ومن بينها شخصيات محسوبة على “الوطني الحرّ” و”تيار المردة”، وآخر تلك الاسماء كان الاخوين رحمة.

الصهر الذي تعطل البلد مرات وشُلّت مؤسسات الدولة مرات اخرى من اجل عينه وخوفاً من زعله، خدع الناس بشعارات رنانة فضفاضة وعمل بعكسها. فنان بعقد الصفقات وفيلسوف بالتخلي عنها، هذا الانتهازي يستحقق بجدارة لقب “الهيلا هيلا هو”  بعد ان تربع على عرش الفساد في السنوات العشرة الاخيرة.